رجل بائس
التقيته في طفولتنا، كان مشاغبا لدرجة أنه ينصب كمينا مع شلة من الأطفال في بداية الزقاق للأطفال العابرين ويسرقون ما لديهم. ومرة وقعت في كمينهم وفتشوني فوجدوا (عانة) في جيبي، أخذوها وأطلقوا سراحي.
والتقيته في شبابه فوجدته انسانا آخر، يدعو للخلاص من ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، وسمعت منه أن رأس الإنسان سيكون أكبر حجما من أعضاء جسمه لأنه الجزء الذي يعمل أكثر من غيره، وبقيت أفكر بهذه المقولة وأرى في الواقع أن الكثير ممن يمتلكون رؤوساً كبيرة ولكنها فارغة وعرفت علماء رؤوسهم أصغر جزء في أجسادهم، فتيقنت أن نظرة هذا الرجل ضيقة وغير واقعية ...
والتقيته في شيخوخته فوجدته يعمل سمسارا أو معقبا للمعاملات في دوائر الدولة وفي الحقيقة أنه كان وسيطا بين الزبائن وبين الموظفين المرتشين. فتيقنت كم هو شرير وبائس..
القرار
قرر هجرة وطنه، هربا من مظاهر القتل، وغياب الخدمات، وغراب الوضع الاقتصادي وصعوبته، وتغلغل الفساد في أجهزة السلطة من الأسفل إلى الأعلى... وعندما وصل بلد الهجرة وشاهد الاستقرار، وسيادة القانون، والحياة الجميلة الرائعة...
قرر فورا العودة إلى بلده...
المتهم البريء
إن من أصعب ما صادفني في حياتي هو الاتهام الباطل، والأصعب منه هو عجزي في اثبات براءتي، بينما يتفنن الكذاب الشرير في ادانتي . وعندما حلفت برب الكون أني بريء . قال علينا اللجوء إلى القضاء .
في المحكمة سألني القاضي : - هل أنت متهم أم بريء؟
- والله أنا بريء يا حضرة القاضي.
- هل لديك أدلة تثبت براءتك ؟
- ليس لدي أي شاهد أو دلالة تثبت براءتي.
- هل لديك محام يدافع عنك؟
- لا أيها القاضي، رفض المحامون التزام قضيتي لعدم توفر الأدلة.
- إذن حكمت عليك المحكمة على وفق القانون بالسجن لمدة ثلاث سنوات. رفعت الجلسة.
جلسة حوار
على مدى ساعتين استعرض المسؤول كل جوانب الموضوع الذي أعده لهذه الأمسية، أسهب وأطنب، شرق وغرب، لم يترك شاردة ولا واردة لم يقلها. حتى شعر بتعب شديد. فتوقف وطلب من الحضور طرح مداخلاتهم وأسئلتهم . لكن ساد صمت مطبق فقال مدير الجلسة: ألا توجد لديكم مداخلات أو أسئلة؟
تململ أحدهم قائلا: لم أفهم شيئا مما قلته ؟
المحاضر: طبعا لم تفهم ، رأيتك نائماً !
سأل آخر: لم توضح أبعاد الأزمة وأسبابها في بلدنا؟
أجابه: سؤال خارج الموضوع . لا أجيبك عليه.
- لم تذكر لنا ما يلوح في الأفق من تطورات محتملة؟
- هذا شيء لا يعلمه إلا الله.
قال رابع: ما العمل إذاً؟
- العمل عمل ربنا.
ختم مدير الجلسة مشيدا بالمسؤول والمحاضرة القيمة، والحضور، وفعالية الأسئلة والمداخلات ودعاهم إلى أماسي قادمة.
خشوع
في فجر يوم غائم، تعرض لعملية اختطاف، من قبل ملثمين ترجلوا من سيارة مضللة بدون أرقام... أخذوه إلى منطقة نائية، ربطوه بحبل على جذع نخلة، ضربوه وخيروه بين الموت أو مئة مليون دينار عراقي، وحين أذنت الصلاة تركوه يختار، وهرعوا يصلون بخشوع، وبصوت عال دعوا ربهم أن ينصرهم ويسدد خطاهم ...