اخر الاخبار

اعتنى الشاعر علي فرحان بترميزات نصوصه الشعرية التي نشرها بمجاميعه “المسدس اول القتلى” “ليل سمين” و “ارق جماعي” ولعل اكثر المفاجآت الحاضرة هي التشكل الثنائي والذهاب نحو الجماعة التي لعبت دوراً ثقافياً واجتماعياً في فلسفة تايلور، لان للفرد دور ميال نحو العزلة وتناقص الطاقة. لكن الاكثر بروزاً في تجربة علي فرحان هو رمزية الكائن وقوته في الكينونة وكيفية تجاوره مع الرديف الانساني/ الانثى وتفضي نصوصه مثلما اتضح لي عبر عدد من القراءات نحو ضرورات التكون والاكتمال بين الذكر والانثى، ولأن هذه الثنائية تمظهر عن نظام الخصوبة والانبعاث الذي يمنح للحياة ما يمكنها من الديمومة والبقاء. وبرزت الكثافة الرمزية وتراكماتها في ديوانه الجديد “قاتل مجهول” وعلى الرغم من ان القتل هو الحضور الرمزي واليومي، المألوف، النصوص حازت تنوعات في معانيها وعمق دلالتها. ومثل هذا الاشتباك هو الذي يجعل من نصوصه الشعرية متداخلة وفياضة باتساعات الرمز وما يوميء اليه، والمثير ان بعض الرموز منتوجات التكون الشعري وليست مستله من تواريخ بدئية تعززت الطقوس والسحريات وتبدت مثل هذه الرمزيات كشوفا استولدها النص ومثال ذلك هي العتمة والرجس الازلي.

وما ضل من الظل على باب لا افتحه حتى تتكسر

كلُّ نوافذ بيت الله / ص66//

القتل في نصوص علي فرحان متكرر، ويشتعل على احياء وضحايا والطاقة الاكبر هي حيوية الانثى المانحة للنص مجالاً مفتوحاً ومعبراً عن رسائله.

انت قرب السماء الاخيرة

الشهداء على بعد سيارة

الحمام الغريب يفر من السطح نحوك

حلمنا وهو يعرج

تخطئه امنيات الارامل

يسحل عشب البلاد ويرجف

**************

وتدق النساء الوحيدات

صدر الفجيعة

يابسات نهود نساء بني هاشم

من الفقد

والعثرات

غريمك

عمري

صوت فيروز يعبر

والقاتلون، يمرون تحت النوافذ/ ص71//

هي الحلم القريب والبعيد ولا احد غير الانثى بحضورها البهي، غير المرئي، فرد واحد هو الذي لمحها وعرف حضورها تحت السماء الاخيرة وجعل من غيابها حضور سحري، تتسع حوله الشعائر لان الانثى اختارت مقدساً هو الحلم والمنتظر، انها السماء السابعة ذات السرديات التي انتجها العقل الجمعي، منذ لحظة البدئية المبكرة والضاجة بالصواب والاساطير، الطقوس وامتداد الخصب الذي فرشته اساطير الالهة الام التي ارتفعت بطاقتها الامومية واختارت السماء السابعة ومثل هذا الحضور استدعاه الشاعر ولم يكن تداولاً في مقدسات البدئية.

على الرغم من ان البدئية الاولى هي امومية انفتحت على كل الحياة وفرشت عليه من خصوبة خضرتها، لكن كانت وظلت ارضية، لان الخصوبة الامومية وانبعاثاتها ذات خصوصية تفتح ذراعيها حاضنة كل من كان فوق الاخر... الام البدئية ارضية ومنحتها لوناً ظل زاهياً بحضوره ولم تذهب الانثربولوجية والميثولوجيات عن سبب البقاء الازلي فوق الارض وتركت السماء للالهة الذكور. وما استطعت فحصه والدنو من سبب لهذا التواجد هو الطاقة الدلالية التي حازت عليها الارض، بوصفها رمزاً دالاً على الام الاولى، لذا كان العقل البدئي ذكياً ولديه تنوعات ثقافية ومعرفية ومنح التناظر بين الارض باعتبارها رمزاً معبراً عن الام الاولى وحضورها وما ينبعث منها. ومثل هذه الديمومة هي التي تعطي وتفضي نحو التكاثر والتوالد، والام توميء للخصوبة وما يوحي به من تنوعات. هي قرب السماء السابعة / الاخيرة / الشهيد على بعد سيارة / الحياة الكبرى باقية، اختارت مكاناً مقدساً يهمني منه ما تريده الارض / الام وتتوسل بالاله الكبير آنو ويهطل ماء الذكورة فتغتسل الام وينبعث الخضار من جسدها، وتزاول بخبرتها كل ما عرفته، وما ابتكرته جديداً وامتد هذا النص برمزيات معلومات عن الاحيائية: يسحل عشب البلاد ويرجف. لكن الشاعر لا يكتفي بالتجدد، بل ياخذ من الحياة فجائعها ومرثياتها: وتدفق النساء الوحيدات صدر الفجيعة.يابسات نهود نساء بني هاشم/ من الفقد / والعثرات / ص71//

الملاحظة البينة هي ان الرموز متغيرة وليست ثابتة، تعيش نوعاً من التضاد الشيء الدال على شيء له علاقة بالحياة، ورمز مكتف بالاشارة على الرماد والانطفاء. وهذا التغير مستمر ولكن كما قال كاسييرر المبدأ الذي تقوم عليه تلك الرموز اعني الفعالية الرمزية لا يدركها تغير. اما الاسطورة فانها خلق يحتوي معنى فلسفياً مفهوماً، ولابد واذا كانت الاسطورة تخبئ هذا المعنى تحت كل انواع الصور والرموز فمهمة الفلسفة ان ترفع تلك الحجب عن ذلك المعنى.

عنوان الدين تشخيص مألوف، ودال يومي له تمظهرات كثيرة، لكن المجهول لا يعني تنكيره، بل استحضاره واضفاء التعرف عليه من اجل مطاردته ومقاومته. لكن العديد من نصوص هذا الديوان، فيها القاتل انثى، مختبئة وحاضرة، معلنه عن حضورها وهذا ما سأحاول المرور عليه من خلال قراءة نقدية لاحد اقصر نصوص علي فرحان وهو “ورقة العاشق” الذي سيتضح اكثر عمقاً وطاقة من النصوص التي ذهبنا اليها لان الشاعر في “ورقة العاشق” انتبه لمنسيات بدئية ومدونات واختار احد اهم الرموز الثقافية، الصوفية / الهرمسية، لكن التوفر الدلالي اضاء ما تعنيه رمزية الباب الجوهرية.

عرض مقالات: