اخر الاخبار

“ الحمد لله ما زلنا بخير

لا ينقصنا شيء

سوى الحياة” – نص رقم 24--

تبدو النصوص للوهلة الاولى دون عناوين انما تحمل ارقاماً فحسب وكأنما أفاد الشاعر عن قصد أن يمنح القاريء حرية ما تمليه ذائقته من فكرة يساهم هو، اي القاريء، في استنطاق عناوينها الضمنية لتغدو جزءا من بناء لنصٍ عضوي متجانس.

عنوانٌ جاذبٌ بمفارقة جناسيةِ!  تذكّر بمكابدات الشاعر الفيلسوف النفري “ القلب يتغير وقلب القلب  لا يتغيّر والحزن قلب القلب”. فهل حقاً الحب عادة وهل هو سيىء ؟ وما العادة فيه وما هو السيىء منه .. هذا ما سيكتشفه القاريء لنصوص فيوضية ملوّحة بتمرد ورفض واعٍ لتعقيدات معاناة استهلكت عمر الشاعر.

هامش/ في الغالب قاريء نصوص الشاعر – سالم سالم – ينتابه احساس الحضور داخل روح طفل، تغدق عليه البراءة والطيبة وحتى الغضب، اما خصاصته فعناده مشاكسا لنصحٍ لا يأخذ به  فالذي في دماغه هو المرجّح المعوّل عليه. ما أن تهدأ ثائرته حتى يتعذّر عليه العثور على ما يناسب من تعبير شامل ،  سوى - احبّك -!

نصوص:

تتسم نصوص المجموعة من اول نص والى ما يتوالى من أسرابها من طيور قطا وقوارب وقناطر وفراشات ملونة وحلازين، بسيماء التمرد وارهاصات الصراع ضد واقع القهر وفنون استغلال الناس البسطاء واستشراء البطالة وتسلّط حكومات دكتاتورية متعاقبة وانتهازية  باحزابها الدينية المتشدقة بتعاليم تضجّ بالخرافة تحت واقي المسكوت عنه.

يبين اسلوب النصوص بالتكثيف العالي حتى تضيق العبارة لدى الشاعر في العديد من الفواصل والاستدراكات على مدار اتساع رؤيته ليقف مع ما جاء به النفري من مكابدة “ لولا الطمع لرُسّخت المحبة”.

نصوص تُحار كيف ينسج قماشتها الشفيفة اذ برغم ما تظهر به من بساطة فهي تظفر بمقاطع فواصل من مشاعر متوازية إلى توافقات ومعاهدات سلام خاصة لحين بلوغ مقصدها الجمالي.

الشاعر، على الرغم مما يظهر عليه من هدوء ظاهر الا انه يناور هجوم الواثق من صحة وسلامة قضيته فلا يهاب رماح حكومات عدوّة واشباه رجال شد ما أساءوا إلى أناسه وأهله وصحبه واصدقائه .

وكما لم يغفل ان يردّ الصاع صاعين لمن سعى تلقينه القراءة البدائية ليستحوذ على دجاجته اليتيمة مذ كان طفلا ، هو اليوم بعد انتباهة يردّ  له  حصاد ما زرع من بؤس :

اعتقلتني إحدى

السيطرات

حين اكتشفت إن

بأمعائي بيضة مسروقة

تعود ملكيتها لمطبخ

أحد شيوخ المعممين.

(نص 30 )

انما يبني الشاعر نصوصة على ومضات متلألئلة كما في النص 81

الحياة قاسية جدا.. جدا

إلى درجة أنّك الآن تبتسم

وهي تغتاظ

وتوقفنا على ما يشابه التناص مع ما ذكرة الشاعر مظفر النواب في احد عناوين اشعاره، “ مو حزن لاجن حزين”.

 إذ نطالع في النص 28 : آه.... آه/  ليست حزينة / لكنها حزن .

اجمل ما في نصوصه القصيرة غلَبَة شفافية تجمع ما بين متناقضين في الرقّة وفي الحدّة ايضا، كما سكينٍ ذات حدين تتكشّف عن بساطة في المفردات وتعاجل في الومضات:

خرجت اختي

لتضيء القمر

أعترضها بشر

دافعت عنها الذئاب.

في نصّه الستين يتساءل :

ما الذي يحدث

لو يكون الله عراقيا

هل سيأتي الموتُ الينا؟

فيما نلمس حزنه الدفين وسخريته اللاذعة حين يلكزُ بعصاه السحرية كرة البليارد ليدخل اكثر من كرة في ثقوب سمائها الخضراء:

شكراً لأصبعي الأزرق

فقد لمس الأنثى

كحلم النعاس.— نص 56 --

وما اسهل ضمانته في الفوز بالجنّة :

غدا يوم القيامة

أرتفع سعر السجادة

الأمرُ بسيط جدا

لنسرق سجادة

وندخل الجنة - - (47) - -

خاتمة: أفرد الشاعر ختام نصوصه التسعين بنصٍ طويل خصّ به الأديب والشاعر المناضل ابراهيم الخياط  الذي التحق بقافلة شهداء الحرية قبل عام مضى، ناصحا أن لا يلمس اغنيته ليلاً.. هو الأنيق الذي “ يشبه موعد الحب”، حتى يأتي إلى تحليقه تفيض تألما : “ ابراهيم هنا/ آه آه آه / من أسكنهُ هناك!..

يبقى سؤالنا للشاعر : ما السوءة في عادة الحب ؟ فيجيب بارتباكه المعهود: أنها ومضة فحسب.

عرض مقالات: