اخر الاخبار

يَستحقُ قصيدةً

وأكثرَ مِن قصيدةٍ

في عمره الغضِّ

وفي الرحيلِ

تستحقُ ابتسامتُه الدائمةُ  ألفَ مَرْحى

وكذا تسريحةُ شَعْره في الزمانِ الجميلِ

رغْم الفقْرِ وجُذامِ  بيوتِ الطينِ ، حزامٌ  لبغدادِ

لكنَّ دِجْلةَ والفراتَ كانا يجريان ، جذْلانيْن

ويَصُبّانِ في نهْرٍ عظيمٍ

*

يستحقُ أنْ نذْكرَه كما ذُكرتْ نخلةٌ في الرّصافةِ

في أنْدلس قديمٍ

وأنْ نفْخر حينما نسمعُ سِيرتَه

وإخْلاصَه للمبادئ

حتّى شَظايا الرمقِ الأخيرْ .

*

يستحقُ أنْ نُشيّعه كلَّ يوْمٍ

نَلْتَمَّ حوْله

لنُخفّفَ أحْزانَه في الوداعِ

ونُطَبَّبَ جِراحَ وجٍهِهِ

وأوتارَ يديْهِ

وأصابعَه القطيعةَ

ونُغنّي  له أغْنيةً  عن السجنِ

نغنّي له  بصوتٍ جَنوبيٍّ

كسَرتْ أوتارُه  ملوحةَ أرْضٍ

أوْ كما قِيلَ ،عطشٌ قديمٌ

“ يلرايح للِحِزِبْ خِذْني

وبنار المعركة ذِبْني “

ونَخيطُ  مِنْ كلماتِها بيارقَ حمراءَ

على تابوتِه تبْرقُ مثْلَ شمْسٍ  في النهارِ

وفي الغروبِ، كنجْمةٍ ،

وفي المسيرةِ كمطْرقةِ عاملٍ

 ومِنْجلِ حاصدِ القمحِ

وفرشاةِ  رسمٍّ  للصغارِ .

*

سلامٌ عليْهِ حينَ السّلامْ

سلامٌ لسَلامْ

سلامٌ للحُسيْنِ الرَّضيّ

سلامٌ لابْنِ الرافديْنِ

ابنِ عِراقنا الأبديّ.

*

أَذْكرُ طلْعتَه في الصّورِ

باسِمًا في كلِّ مرّةٍ

أذكرُ صورتَه يَخْطبُ في الجموعْ

يقولُ لهمْ : هيهاتَ مِنّا ذِلّةٌ وخضوعْ

هيهاتَ منّا سكوتٌ

وأذكر صورته يُقبّلُ طفْلةً

ويُهْديها ورودًا

أذكرُ منه حمامةً بيضاءَ

يُطْلقها سلامٌ في الفضاءْ

سلامٌ يُضئُ السماءْ

سلامٌ وعدْلٌ

تلكَ شيوعيتُنا

في بلادٍ بلا فقراءْ.

*

أعزّتي ساعدوني:

أحاولُ نسْيانَ صباحِ يومٍ  بعيدْ

يومٍ في شِتاءٍ طويلٍ

قُرِعتْ أجراسُ شؤْمهِ في شُباط

شهرِ الأضحياتِ وشهرِ العذابِ

شهْرُ المَقاتل في الشوارعِ

وفي الأقبيةِ

وفي الملاعبِ

وعتباتِ البيوتِ

شهرٌ صار فيه كلُّ شيوعيٍّ معْمدان

أذكره  شهرًا في نصْفِ عامْ

بلون السّخامْ

دمٌ يسيلُ في الشوارعِ والدَرابين

في بابِ المُعظّمِ والشّاكريةِ  والصّالحيةِ

ومدنِ الصفيحِ في كلِّ البلادْ

ورصاصٌ يخْدشُ نُصبَ حريتنا

وقتلانا   مُمزقي الأجسادْ

بلا قبورْ.

***

مطرٌ على بغدادْ

مطرٌ بلوْنِ الليْلِ

بالدمعِ  اسْتبدَلتِ  المدينةُ أمطارَ الشتاءْ

وزهورُ  بلادنا قُطفتْ بالحِرابِ وزخّاتِ الرصاصْ

ببغدادَ وبصرةَ الشعراءْ

وفي العراءْ

كان قطارُ الموتِ يَثْغُبُ حتّى  نقْرةِ السلمانْ

  ويَمرُّ في  كلِّ ركْنٍ في العراقْ .

*

يومٌ أريدُ نسيانَ تفاصيلِ صباحِهِ

يومٌ بآذارَ، في السابعِ منهُ

تحْتَ برْدٍ، في  بيوتٍ خاليةٍ

إلا مِن الأطفالِ

ومن قططٍ  بلا طعامْ

وأشجارِ سِدْرٍ عاريةٍ

وأحزانِ أمهاتٍ لا حدود لها

وبلا كلامْ

مدارسٌ غابَ مُعلّموها

وغابَ عن البساتينِ قاطفو ثمرِ البرتقالْ

غاب عن المصانع عمّالُها

غاب عن المَسْطرِ عُمّالِ البناءْ

وعن الملاعبِ جمهورُ الكرةِ

وكُبّلتْ شمسُ بغدادَ بأصفادِ غيمٍ ثقيلٍ

بلونِ الرمادِ  غَبَّ الحريقُ

في ذاكَ الصباحِ الحنْظليّ

على شاشةِ التلفازِ كان المذيعُ يقولُ

تمَّ إعْدامُ السلامْ .

*

أذكرُ طلعةَ  “موفق العا ني “ المذيعْ

أذكرُ خوفَ الطفْلِ الذي كُنْتُ

أذكرُ الرعبَ في عينيْ أخي نبيلْ

وأذكرُ جارتَنا تنْدبُ ابنَها

وأمي تبحثُ عن أخي في السجنِ

كنا وحيديْنِ في البيتِ

وكانَ العراقُ وحيدًا

وخالتي النخلةُ حزينةً

سَعفاتُها تجْهش بالبكاءْ

وكانتْ أمُّنا بغدادُ تبْكي بصمْتٍ.

عرض مقالات: