اخر الاخبار

1 - العمى المبطن

ملأوا الغرفة عن آخرها وهم يصطفون حول سريري، ربما فات وقت على وقفتهم دون ان انتبه لهم فنمت اطول مما ينبغي.. لست معتادا على ان يقف احد فوق رأسي وأنا نائم. كيف لي ان انتبه ولم يصدر عنهم أي صوت او حركة ؟ تبينوا لي انهم من دون اقدام حين نظرت إليهم.. كيف جاءوا؟ ربما طووا اجنحتهم حين دخلوا من باب الغرفة..

من هؤلاء وما الذي يريدون مني؟ هل حقا ان معالمهم التي تبينتها هي لنفس الاشخاص الذين ظننت بمجيئهم إليّ: ابو ذر، بهلول، جحا، قرة العين، روزبه ..؟ لا ينبغي ان أظل ممدا على السرير وهم واقفون.. فنهضتُ ووقفت الى جانبهم فلم ينتبهوا لي وظلوا مستمرين في صمتهم حول سريري من دون ان يعيروا بالا لوقفتي بينهم ..

ما تفسيري لمثل هذا؟

اكاد احصر التفسير في واحد من احتمالين فأما انهم يرون ما لا ارى، أو انا لم اكن في دائرة تفكيرهم ولم يروني أصلا..

هنا تعقد الموقف بيني وبين نفسي، وهل ان ما حدث حدث فعلا أم انه تخييل لا واقعي من عقل خرج عن سوية؟ عندئذ كيف ارمم العلاقة بين عقلي وظني؟

الحل اما ان ابدأ من الصفر من جديد، أو اعلن عن عدم تصديقي لكل ما اراه فهو الوهم الذي يملأنا عن آخرنا.

2 - مات مختنقاً في كابوس

ماكنت افكر بأن قلبك ينخلع في أول كابوس اواجهك فيه..أنت الذي تنصب لي فخاخ  التحرش يومياً على طول طريقي الى العمل..

لو لم تمت لأحتقرت نفسي من عدم الوصول الى احلامك.

3 - حورية القصب

امراة لا عمر لها تمرق بين صباحات الأرض كعطر قرنفلة زاهرة بالحب. وفي ذات مرور في أفياء الشجر الوارف وأنا امضغ ابهامي المغموس بعسل التمر  تنز مواويل دافئة تفلي قلبي بحسّ أمومتها و رضاها الملكي المتألق.. طرحتني بقماطي المنفوش من الصوف الى الأرض.  لتلقى ضيفتها  بحبور وهاج. نهضت بسمو سجيتها وفراسة فطرتها لتُقبّل كفّ المراة بخشوع ومهابة.

أخذتني المرأة من بين يدي أمي، وضعت سبابتها اليمنى فوق شفاهي.. وفطنتُ الى كلمات تتلوى في سبابتها ترقيني مما هو آت.. همست في أذني:

سأراكَ غداً ساعة يزدحم الخلق على الجسر هلعين من الهول الصاعد فيهم من بين ثنايا الجرف. همست ولو ان الزمن بعيد لكن الهمسات طازجة في قلبي كخبز حار. والان وقد ناهزت الشيخوخة قابلني على جسر الصرافية وجه المراة، ذات المراة بشباب مفرط وبشاشة روح تتلو الحب بتراتيل غَنّاء . غمزتني بالحبّ التاريخي المألوف لها، وعرفت باني قابلت الوجه مراراً من قبل وجودي في الاصلاب، وفي التكوين حتى لحظة حين اخذتني من بين يدي أمي.

وحين كبرتُ بأروقة الحلم وفي الاسفار رافقني ظل مابين الرحلة للحرب وبين الرحلة للمنفى.. وجه ذو نور  يتتبع خطوي بضياء الوجدان القاه على حائطنا الملبوخ مرسوما كوصايا الهة  كونية.

وحين أُهيئ امتعتي ينام بها وجه المراة ذات الوجه  ويظل معي في طيات العمر. تضئ في ذاكرتي كل محطات الرحلة واحدة واحدة.. فألقاه على باب المدرسة المقفول مثل نشيد اخرس لا ينتبه الطلاب له. أتسمر بين يديه فيمضي عني لحن  يملأني فرصة تكوين اخرى في قصبات الاهوار المنسية في احضان الخوف المتيبس في وجهي..

فتمرر طرف عباءتها المملوءة بالروح الكوني على وجهي لأفيق من النوم.

عرض مقالات: