اخر الاخبار

إنَّ مَا حَدَثٍ لَنَا وَلِعَالَمِنَا، فِي الْفَتْرَةِ الْقَرِيبَةِ، مِنْ تَارِيخِ هَذَا الْيَوْمِ، بِسَبَبِ وَبَاءِ كُورُونَا مِنْ تَمَزُّقاتٍ وَتَوَتُّرَاتٍ فِي الزمكان قَدْ أَثّرَ بِلَا شَكٍّ عَلَى تَصَوُّرَاتِنَا لِلْمَسْرَحِ، إِذْ فَرَض عَلَيْهَا نَوْعًا مِنَ الْحَبْسِ، وَالْحَيْرَةِ، وَالتَّرَدُّدِ، وَالْاِنْفِصَالِ، وَالْاِنْقِطَاعِ مَعَ مَا كُنّا نتَوَاصَلُ مَعَهُ بِاِنْفِتَاحٍ وَتَأَمُّلٍ وكَمَسْأَلَةِ دَائِمَةِ.

فَعِنْدَمَا يَنْتَشِرُ فَيرُوسٌ فِي مَدِينَةٍ مِنَ الْمُدُنِ، فَإِنَّهُ حَتْمَا يُؤثّرُ عَلَى جَمِيعِ الْأَنْظِمَةِ الَّتِي تُدِيرُهَا، وَيُحْدِثُ فِيهَا شروخا وَتَوَتّرَاتٍ، وَهَذَا بِحَدِّ ذاته مَا يُثِيرُ وَيُزَعْزِعُ اِسْتِقْرَارَ مَعَايِيرِنَا وَكَذَلِكَ عَادَاتِنَا الْيَوْمِيَّةِ. وَهَكَذَا، أَصْبَحَتْ مِسَاحَاتُنَا الْحَضرِيَّةُ أَكْثَرَ إِثَارَةً لِلَقْلَقَ مِنْ أَيِّ مِسَاحَاتٍ أُخْرَى، مِمَّا أَدَّى إِلَى إِطْلَاقِ إِنْذَارٍ كَئِيبٍ، وَوِلَاَدَةِ حِقْبَةٍ مِنَ الشَّكِّ، وَتَغَيَّرَ الزمكان بِشَكْلٍ عَمِيقٍ، وَبَاتَتِ الْأَمَاكِنُ مَحْظُورَةً، وَلِفَتْرَاتٍ غَيْرِ مُحَدَّدَةٍ أَوْ غَيْرٍ مُؤَكِّدَةٍ.

لَوْ أَلْقَيْنَا نَظرَةً تَأَمُّلِيَّةً عَلَى تَارِيخِ الْمَسْرَحِ الْقَدِيمِ وَالْحَديثِ فَسَنَجِدُ أنَّ مَا بَيْنَ الْمَسْرَحِ وَالْأَوْبِئَةِ قِصَّةُ حُبٍّ طَوِيلَةٍ، رُبَّمَا لِأَنَّ التَّارِيخَ مَأْسَاوِيٌّ بِطَبِيعَتِهِ، وَرُبَّمَا أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا مَسْرَحٌ عَظِيمٌ بِدُونِ مَأْسَاةٍ. لِذَا فَإِنَّ الْحُروبَ وَالْأَوْبِئَةَ كَانَتَا وَمَازَالَتا تُشَكِّلَانِ بِالنِّسْبَةِ لَهُ مَصْدَرَ إلْهامٍ لَا يَنْضُبُ. فَالْحَرْبُ تُؤَدِّي إِلَى الْأَوْبِئَةِ، وَالْأَوْبِئَةُ تُوقِظُ الْغَرَائِزَ الْوَحْشِيَّةَ لِلْإِنْسَانِ، وَالْوَحْشِيَّةُ تَصْنَعُ مَسْرَحَا جَيِّدَا. وَأَكْبَرُ نَصٍّ نَظَرِيٍّ حَوْلَ هَذَا الْمَوْضُوعِ هُوَ نَصُّ أنطونين أَرْتو، الَّذِي تَمّ تَأْلِيفِهِ عَامَ 1934 وَوَضعَهُ فِي قَلْبِ كِتَابِهِ (الْمسرحُ وَقَرِينِهُ)، الَّذِي جَمَعٍ، أَوْ بالأحرى، وَائَمَ فِيهِ بَيْنَ الْمَسْرَحِ وَالطَّاعُونِ، وَأَكَّدَ عَلَى أَنَّ الْأَدَاءَ الْمَسْرَحِيَّ، كَالْطَّاعُونِ مُعْدٍ.

قَدْ لَا يَكُونُ فَيرُوس كُورُونَا رَادِيكَالِيّاً مِثْلَ الطَّاعُونِ، لَكِنَّهُ أَيْضًا، يَكْتَشِفُ الْأكَاذِيبَ وَالضُّعْفَ وَالدَّنَاءَة وَالتَّذَمُّرَ، مثلمَا أَنَّهُ يُمَيِّزُ الْأَبْطَالَ، الْجَبْنَاءَ، الدَّجَّالِينَ، وَالْأَنَانِيِّينَ. لقَد أَبْرَزَتْ مَرْحَلَةُ الكوفيد بِوُضُوحِ نَوْعٍ مِنَ الْاِلْتِبَاسِ وَالْغُمُوضِ وَالتِّيهِ، مِمَّا يَجعلنَا نَطْرَحُ الْآنَ نَفْسَ السُّؤَالِ الَّذِي طَرَحهُ آرتُو فِي خِتَامِ مَقَالَتِهِ عَنِ الْمَسْرَحِ وَالطَّاعُونِ «هُوَ مَعْرِفَةُ مَا إِذَا كَانَ فِي هَذَا الْعَالَمِ الْمُنْزَلِقِ، وَالَّذِي يَنْتَحِرُ دُونَ أَنْ يُدْرِكَ، سَتَكُونُ هُنَاكَ نَوَاةٌ مِنَ الْبَشَرِ الْقَادِرِينَ عَلَى فَرْضِ الْمَفْهُومِ السَّامِّي لِلْمَسْرَحِ، الَّذِي سيَجعلنَا جَمِيعًا الْمُكَافِئَ الطَّبِيعِيَّ وَالسَّحَرِيَّ لِلْعَقَائِدِ الَّتِي لَمْ نَعُدْ نُؤمنُ بِهَا”.

إِنَّ الْمَسْرَحَ مُنْذُ وِلَاَدَتِهِ فِي الْقَرْنِ الْخَامسِ قَبْلَ الْمِيلَاَدِ، وَهُوَ يُحَاوِلُ التَّغَلبَ عَلَى الْعَدِيدِ مِنَ الْأَوْبِئَةِ، وَخَاصَّةً فِي زَمَنِ وِيلْيَامِ شِكْسبِير. وَفِي مُوَاجَهَةِ الْأَزْمَةِ الصِّحِّيَّةِ وإغلاق الْمَسَارِحِ، لجأ المسرح إِلَى التِّكْنُولُوجِيَا الرَّقْمِيَّةِ، كَمَا أَنَّ اِسْتِخْدَامَ مَوَاقِع الأنترنت الْمُخَصَّصَةِ قَدِ اِنْفَجَرَتْ وَتَزَايَدَتْ، بِشَكْلٍ مُلْفِتٍ لِلنَّظَرِ. بِحَيْثُ أَصْبَحَ الْجَمِيعُ مَحْكُوماً بِالشَّاشَةِ بِوَصْفِهَا وَاجِهَةً لِلْعَالَمِ الْخَارِجِيِّ، وَقَدْ تَمَّ وَضْعُ الْمَعْلُومَاتِ وَالْآرَاءِ الْعَامَّةِ فِي سِيَاقِهَا مِنْ خِلَالِ عَدَدٍ لَا يُحْصَى مِنَ الْمُحَادَثَاتِ عَلَى الإنترنت وَبَيْنَ الْفَنَّانينَ وَالْمُفَكِّرِينَ أَيْضًا. مِمَّا يجعلنا نَتَسَاءَلُ عَنْ مدَى قُوَّةِ الْخَيَالِ وإمكانيتهِ عَلَى اِنْتِشَالِنَا مِنْ هَذِهِ الْمِحْنَةِ، وَمِنْ ثَمَّ هَلْ يُمكنُ لِلْأرْضِ(وَالعَالَمِ) أَنْ تَتَعَافَى؟ وَهَلْ سَنَكُونُ قَادِرَينَ عَلَى الْعَوْدَةِ إِلَى الْمَسْرَحِ.

لَقَد لَجأَتْ بَعْضُ الْمَسَارِحِ الْكَبِيرَةِ فِي أورُبا وَالْعَالِمِ الْغَرْبِي وَالشَّرْقِي الأسيَوي إِلَى عَرضِ بَرَامِجِهَا الْمَسْرَحِيَّةِ السَّابِقَةِ (المؤرشفةِ)، عَبْرَ الأنترنيت كَنَوْعٍ مِنَ الاِسْتِمْرَارِيَّةِ مَعَ جُمْهُورِهَا، وَلَكِن لَيْسَ كَبَدِيلٍ لِلْمَسْرَحِ، وَهَذَا مَا حَدَثَ أَيْضًا فِي مُجْتَمَعَاتِنَا الْعَرَبِيَّةِ، وَهَذَا خطب رَائِعِ، بِلَا شَكٍّ. وَلَكِن أَتَمَنَّى أَلَا يُصْبِحَ ذَلِكَ مُوضَةً، وَاِسْتِسْهَالاً، لَا سِيَمًا أَنَّ الْمِهْرَجَانَاتِ، وَالْوَرْشَاتِ الإليكترونيةِ أَوِ الْبَيْنِيَّةِ (الْوَسَائِطِيَّةِ)، بِشَتَّى أَنْوَاعِهَا، صَارَتْ تَزَخُّ عَلَيْنَا مِثْلَ وَابِلٍ مِنَ الْمَطَرِ.

بِلَا شَكٍّ هُنَاكَ تَأْثِيرَاتٌ بَالِغَةٌ نَتَجَتْ عَنْ تَفَشِّي هَذَا الْوَبَاءِ، وَحَرمَتِ الْعَدِيدَ مِنَ الْفُرقِ الْمَسْرَحِيَّةِ مِنَ الْخَلْقِ، وَالتّجْوَالِ وَضَمَانِ بَعْضِ الْاِمْتِيَازَاتِ، وَنُذَكِّرُ مِنْهَا عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ وَلَيْسَ الْحَصْرِ، تَأْجِيلَ مِهْرَجَانِ أيَّامِ قَرْطَاجِ الْمُسَرَّحِيَّةِ، وَلُجُوءِ مِهْرَجَانِ الْقَاهِرَةِ التَّجْرِيبِيِّ الى الْأُسْلوبِ الْوَسَائِطِي، وَتَأْجِيل مِهْرَجَانِ الْهَيْئَةِ الْعَرَبِيَّةِ لِلْمَسْرَحِ...الخ. كُلّه َذِهِ التَّظَاهُرَاتِ الْفَنِّيَّةِ الْمُهِمَّةِ قَدْ تَهَاوَتِ الْوَاحِدَةَ تِلْوَ الْأُخْرَى، مِثْلَ قَلْعَةٍ كَانَتْ مُشَيَّدَةً مِنَ الْكَارْتُونَ. وَهَكَذَا تَجَمَّدَتِ الْإِعَانَاتُ، وانحَرِم الْمُمَثِّلُونَ مِنْ أُجُورِهِمْ، إِذْ لَيْسَ مِنَ الْمَنْطقِي أنْ يُأْدُّوا أَدْوَارَهُمْ أَوْ يَتَدَرَّبُوا بِرُفْقَةِ الْكمَّامَاتِ وَالْقُفَّازَاتِ. فَالنُّطْقُ وَحَدهُ أَصْبَحَ حَامِلاً لِلتَّهْدِيدِ نَفْسِه، لِأَنَّ الْخَطَرَ يَأْتِي مِنَ الْكَلَاَمِ، وَمِنِ الْمَوَاقِفِ غَيْرِ الْمَرْئِيَّةِ الَّتِي تَنْتَقِلُ فِي الْهَوَاءِ. عِلماَ أَنَّ الْمَسْرَحَ، هُوَ مَكَانٌ لِلْكَلَاَمِ بِاِمْتِيَازٍ، وَتَشْكِيلُ الْكَلَاَمِ، وَلِتَشْغِيلِ الْكَلَاَمِ، وبالتالي فَإِنَّهُ سَوْفَ يَعْمَلُ عَلَى تَرَاكُمِ الْمُعَوِّقَاتِ خِلَالَ زَمَنِ الْفِيرُوسِ”، وَلِحُسْنِ الْحَظِّ، أَنَّ هَذَا الزَّمَن لَمْ يَعْدُ الْيَوْمَ مَوْجُودًا، وَعَلَيْهِ، وَرُبَّمَا مِنَ الْمُنَاسِبِ الْيَوْمَ الْعَوْدَةُ إِلَى الْقَوْلِ المأثور لأنطوان فيتِيز:” ينبغي عَلَيْنَا أن نَفْعَلَ الْمَسْرَحَ مِنْ كُلِّ شَيْءِ”، وَلَكِن لَيْسَ كَمَا تَمَّ تحنيطهُ فِي(الْأوْنَ لَايَنَ)!

عرض مقالات: