اخر الاخبار

عند قراءتي لرواية (عيادة الحاج مهاوي) للكاتب حسن العاني خطرت ببالي فكرة كيف بنا التعامل مع عالم المرأة المثير للجدل والمشغوف بمئات الأسرار والخفايا التي قد تغير من عملية السرد بأكمله عند الكاتب أي كاتب...خاصة إذا كانت الفكرة العامة للرواية أو القصة تتحدث عن ماهية العلاقات الجنسية الخاطئة بين الرجل والمرأة والتي قد تتجاوز حدود الخيانة الزوجية أو تتجاوز الأعراف والتقاليد التي تحرم تلك العلاقات وتعدها من الجرائم الكبرى المكللة بوشاح العار الذي لا يغسله إلا الثأر بالقصاص من الخائن أو المرأة الخائنة.. وتدور احداث رواية (عيادة الحاج مهاوي) في إحدى القرى الريفية النائية في الجنوب..عندما تنشأ علاقة بين دكتور القرية ابن المدينة المتحضر وبنت أحد وجهاء القرية أو ما يسمونها قرية الشيخ عيدان وهو نفسه الحاج مهاوي الذي ساهم في دعم عيادة الدكتور وتوفير جميع المستلزمات المطلوبة من أدوية ومواد طبية وأجهزة بسيطة كجهاز قياس الضغط ووعاء تعقيم الإبر..وتتطور تلك العلاقة بين( زكية ) والدكتور عندما صارت تعمل كممرضة في العيادة لتقديم العون في معالجة سكان القرية الذين يحضرون للعيادة من أجل الحصول على العلاج المطلوب للحالة آلتي يعانون منها...وهكذا وبحكم المعاشرة اليومية بين دكتور القرية وزكية تطورت العلاقة وفي لحظة ضعف شابتهما وقادتهما إلى ممارسة الجنس وبكل تفصيلاته إذ كان الدكتور يعاني من الكبت الجنسي لعدم معاشرته لأي نوع من النساء، حتى يتذكر دائما ماقاله رفاقه في الدراسة عن شخصيته التي لم تعرف أي نوع من العلاقة مع أي امرأة..

وهكذا شاء القدر أن يرى الدكتور بأم عينه تفاصيل فتاة شابة وملتهبة ومتعطشة للجنس أكثر منه...(زكية التي وهبتني تأريخا لم يكن من تواريخي، مفعما باللذة والانتشاء والنذالة..) ولم تقف العلاقة عند هذا الحد فقد علمت (الخالة فضيلة) وهي والدة زكية وزوجة الحاج مهاوي بأن الدكتور له علاقة بابنتها...حاولت هي الأخرى إقامة علاقة جنسية مع الدكتور وتحولت تلك العلاقة فيما بعد الى ليال سمر ولذة ونشوة وشعور بالانتشاء والراحة الجسدية والروحية لكليهما كون الدكتور شعر بالفرق الشاسع بين (فضيلة) وخبرتها ومفاتن جسدها المشحون برغبات جنونية وبين ابنتها زكية وبين صبحة زوجة الشيخ جاسم التي تحول قيامه بعلاجها من الدمامل الخراجية إلى شذوذ جنسي عارم.  

أن حسن العاني كان موفقا في عملية إختيار شخوص روايته وموفقا أيضأ في عملية السرد والبناء الفني للاحداث وتسلسلاتها وبأسلوب كلاسيكي مباشر وسلس وفيه قوة جذب للقاريء، بأن إستطاع أن يجعل منه متابعا ممتازا للحدث والتنقل بشغف مع ابطال الرواية من حيث قدرته على المسك بالخيط الأول للرواية حتى آخره وتلك عملية مثيرة وجذابة ويشعر خلالها القاريء بالمتعة في مواصلة مكامن الحدث إلى ما وراء النهاية.. .وكأنه يعيش اللحظة أو أنه بارع كمخرح سينمائي يجعل من المشاهد لفيلمه في حالة تشوق لما يحدث في المشاهد التي تلي ما يعيش معه من أحداث ووقائع...

وهو يذكرنا بروائع الأدب العربي والعالمي والمحلي الذي تحدث صانعوه عن أسرار العلاقات الجنسية في المجتمعات العربية وعلاقتها والواقع الذي تعيشه المرأة والرجل على السواء...وان عملية الجنس تشكل عاملا مهما واساسيا في العلاقة أو في علاقة الرجل بالمرأة في المجتمع وكيف أنها تشكل حالة التوازن الموضوعي وغير الموضوعي بين الاثنين... والتي إستطاع نجيب محفوظ معالجتها في الكثير من اعماله وبأسلوب سحري وشيق خاصة في “اللص والكلاب” و”ثرثرة فوق النيل” وغيرها كذلك الكاتب الساخر احسان عبد القدوس الذي انشغل بهذا الجانب الخطير من خفايا المرأة وقدرتها على الخيانة و ببراعة فائقة....وما كتبه الروائي عبد الرحمن مجيد الربيعي في (الوشم) و(الانهار) إذ جسد فيهما صورة العلاقة الحقيقة لموضوعة الجنس بين الرجل والمرأة في المجتمعات البدائية والتي قد تقام وبشكل عفوي وسريع عندما تتوافر صورة الجنس والرغبة. وتختلف قضية الجنس في فكر وبناء وتصور كل روائي على حده...فمنهم من يفسر هذه القضية بأنها (المعادلة التي يقدمها الروائي من خلال منهجه الفكري، هي أن المجتمع وليس الفرد هو ثمرة الوضع السياسي والاقطاعي فجاءت قضية الجنس عنده كعلاقة اجتماعية حالها حال العلاقات الأخرى أي أن الروائي يوظف هذه الثيمة ليس بصفتها المباشرة بل بأعتبارها فعلا رمزيا يحيل إلى دلالات اجتماعية وسياسية معينة).

عرفت الكاتب حسن العاني منذ اكثر من أربعين سنة، عرفته كاتبا ساخرا ومتجدد في افكاره وموضوعاته، ولكني فوجئت ولنا اقرأ روايته (عيادة الحاج مهاوي) بامتلاكه قدرات إبداعية في ممارسة فن كتابة الرواية ومايتطلبه من عملية بناء فني وتسلسلي في سرد الأحداث بمثل ما استطاع أن يأتي بها العاني... فهي قدرة فائقة في جعل القاريء والباحث والدارس يتابع بشغف أحداث روايته ويبحث عن مصير أبطاله وشخوصه. 

العاني أختار لنا بطل روايته وجعله هو السارد الوحيد لمسلسل الأحداث حتى ساعة مقتلة.. ومابعدها حيث فكر اهل القرية بإقامة ضريح له كونه قدم خدمات جليلة وكبيرة لقريتهم المنسية والبائسة والتي عاشت من الكبت والحرمان ما يجعل منها واحة تنبعث منها روائح الطيبة والعشق الموسوم بالوفاء والحب..

عرض مقالات: