اخر الاخبار

إن القصيدة أملتها دوافع مجابهة شئ مستعص، بل أزمة تستدعيها قدرة الشعر، الذي بإمكانه أن   يصنع يقينا بتواصل الفعل الشعري، للتصدي لظروف لا يجرؤ أحد على توقعها، إن الذي يهمنا، إن نذهب بالنص إلى أقصى مدى له، تحليلا واستنطاقا، ومن القسوة في زنزانته نستشف،إن الموت تنازل ليصبح شعرا،   إذ إن الاستثناء يبدو محتملا، والشعر شكل من العدمية،في ظلام الزنزانة، النص واقعة لمصير شخص، ثم إن الكلمات لا تنعزل عن الأسى ابدا،كتب النص بإحساس تذكري،   له صلة بحادثة واقعية، لم تبليها السنوات على الرغم من طولها،،مازالت تتمتع بطابع مؤثر، ظلام يبتكر مرئياته عبر النص،  وصوره من بداهة الشعر، عبر ملمح إختلافي نادر الحدوث، ينبع من حلم الأعين المفتوحة، ويرسم يقينا لقدرة تواصل الفعل الشعري، الذي لا يجرؤ أحد على توقعه في حالة مثل هذه، يسود فيها المجهول و اللا مكتشف، الصمت في الزنزانة معناه قدرة قول الشئ الكثير، من وجهة تعارضية، القصيدة ورثت الشعر المغادر للحظته، ما نحاول قوله أن نقرأ النص خارج ميراث الثوابت الشعرية، ينعم النص بالأسئلة، ونحن نعرف إن السؤال عنصر متقدم والإجابة تتسم بالنهاية، الأسئلة تواصل الكلام، والأجوبة تجيب وتصمت، يقول النص في مستهله :

زنزانة خرساء*

في جوف الظلام

قضبانها تنام في يدي،

ولا انام

زنزانة في صمتها

يزدحم الكلام

كان الصدى ينز من جدرانها

هكذا يقودنا المعنى ونحن نؤوله بلا إنقطاع، وما نفهمه إن التأويل أساسا للدلالة وتوسعاتها، استنطاقاً للممكن واللامتجلي، عبر لغة شعرية واصفة، ومستلهمة لمستويات الاحتمال، والتجاور الضدي للكلمات، يواصل النص :

زنزانة تفجرت

أشلاؤها في جسدي

المس في ظلامها

سبعين الف صورة وصورة

جراحها تئن

صوت يقئ ظلمة

لا يصبح الشعر عرفا سائدا، رغم انه في النص يمثل إدراكا سكونيا لطبيعة الاشياء، والكلمات التي تظهر علاقتها بغيرها؛ بحكم الترادف والتكرار، ولاتعير إنتباها للعبارة الشعرية ذات القصد المباشر:

وطار قلبي

خلف اسراب الحمام

مغردا

زنزانة

قضبانها تنام في يدي

يبقى أن نقول إن النص، يستثمر الكامن الدلالي لواقعة حدثت بالفعل  ولن تمحوها الحقب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* كتبت هذه القصيدة في سجن الأمن العامة سنة 1968

هذه العبارة مكتوبة في أعلى القصيدة ونحن طلاب ثانوية الكحلاء كنا من جانبنا ننتظر مدرس اللغة العربية الذي استغرق غيابه طويلا وتأخر كثيرا عن الالتحاق بوظيفته.

عرض مقالات: