اخر الاخبار

"التقليلية" التي جاء بها الشاعر الفرنسي ستيفان مالارميه، والاعتناء في النصّ النوعي، حيث أوجد الشاعر الفرنسي هذا المصطلح لكي يكون نافذاً مع طلابه ومدى العمل على تنفيذ هذه الرغبة النوعيّة، حتى اقترح عليه طلابه بأن يعمل المصطلح نظرية لكنّه رفض ذلك، وهو يتناول البعد الزمني من خلال التقليلية، ومفردة التقليلية لاتناسب إلا قصيدة النثر، تناسبها تماماً، حيث قوّة المعاني والقوّة الزمنية بإدخال النصّ الشعري بمختبر بطيء والنظر فيه ربّما يكون لحظة من خلال (النصّ اللحظوي)، وربّما لأسابيع، وربّما لشهور، وإذا كانت الزمنية غير ثابتة من خلال التقليليّة، نستطيع أن نطلق عليها بـ (برهة النصّ " 1 )، ولكن ومن خلال المعانى الواسعة لهذا المصطلح الشمولي، والذي يعني لنا التقشف اللغوي أيضاً، نستطيع توظيفه كأبعاد تقليلية للمفردات من جهة وللحالة الزمنية من جهة أخرى، فظهور القصيدة القصيرة في قصيدة النثر، أعطت بعدا تقليلياً زمنياً ولغوياً، وكذلك من ناحية المعاني ومساحتها في البعد التقليلي، وأضاف هذا المصطلح لقصيدة النثر إضافة نوعية من ناحية الاعتناء في النصّ الشعري، والنصّ الحسّي بمساحته اللامحدودة، حيث أنّ السيطرة على المشاعر من الإفراط، تؤدّي إلى مهام لتنقية النصّ وتوجيهه نحو الجمالية.  والأمثلة كثيرة حول الاعتناء بهذا المصطلح وتنفيذ حدوثه بالنصّ الشعري الحديث.. وكذلك حركة المحسوس بشكل جزئي، والمصطلح جار العمل عليه أيضاً في مجالات واسعة؛ ويعد من المصطلحات المهمة في قصيدة النثر الحديثة، فنحن نقتصد حتى بالأبعاد التفكرية، وكذلك الأبعاد البصرية، فالمتخيل الذاتي له حركته الذاتية وله محفظته الخاصة، وهذا يمنحنا أن نكون معه في المتخيل البصري أيضاً، فهناك الأبعاد البصريّة والتي تشكل بعداً تقليلياً أيضاً، وكذلك الأبعاد التذكرية المقتضبة، حيث تكون زيارة الفلاش باك، زيارة وقتية وليست دائمية، ومن خلال هذا التوقيت نستطيع أن نتكفل ببعده التقليلي وعدم انشغال الذات أكثر ممّا تكون عليها وخنقها في حالات تذكرية نستطيع أن نتجاوزها في كلّ لحظة ندخل معها. اقرأ الكثير حول النصّ والنصّ المفتوح، ويتكئون عادة على المعاني، ويحدّدون بعض النصوص ويطلقون عليها بالنصوص المغلوقة (في قصيدة النثر أعني)، بينما النصّ لا ينتهي بالإضافات التي من الممكن جدا التعامل معها، وبما أن قصيدة النثر تعتمد الاختزال، فهذا يساعدنا على تقويم النصّ المنتهي، النصّ المتوقف هنا، ومن الممكن جداً التحايل عليه وجعله من النصوص المفتوحة، والتقليلية واحدة من المصطلحات الداخلة على النصّ المختزل، وهي تناسب المعاني وقوّة تفاعلها في النصّ وهذا يمنحنا قوة التخيل وحركة الخيال الذي لاينتهي بنقطة، وكذلك التأويلات والاعتماد على الاستدلال في تجلياته الواسعة.. فلغة الجمال ومن خلال المؤسّسة الجماليّة، لاتتوقف بحالةٍ من الحالات، وهي لغة تمتلك من المساحة الواسعة والتي تقودنا إلى المتعة الحسّية ولذة النصّ. من هنا نرى ان مالارميه كان أحد أهم الشعراء الرمزيين لا يهدف من الجمال إلا الجمال ذاته. وليس هذا فحسب. بل إن سعيه الدؤوب إلى الجمال المثالي قد جعله يحلم، لمدة عشرين عاماً بأن ينتج شعراً صافياً من دون أن ينتج إلا القليل من الشعر. إن تغييرات المعجم الشعري لدى الشاعر هي تغييرات في البصر والبصيرة، فتارةً يقودنا إلى البصيرة الداخلية وتارةً أخرى إلى البصيرة المكانية، وهذه الاشتغالات البصرية مع الرمزية تعطي الانتماء إلى المفردة الشعرية الواحدة وكيفية حبسها وتجنيس بصمتها؛ قد أستطيع تسميتها (بالمفردة الذكية) لأنّها غير مطروقة أولًا، وتدخل المخيلة بدهشتها ثانياً. (في الحروف لم تعد لتفاجئ القارئ. هنا يكمن وجه الاحتياج إلى شكل تعبيري قادر على استيعاب المسافة الفاصلة بين -المجاز والرمز- وبين -الحال المدركة والحال الذاهلة- بما يجسد أوجه الانحراف/ الانزياح، القائمة بين -اللغة القائمة واللغة المفكرة-، وذلك في مستويي المضامين الرمزية للقصيدة المعاصرة والآليات الفنية المشكلة لها. تلك الخصوصية هي الميزة الفارقة لأية كتابة حروفية. "2 ).  ظهرت التقليلية بشكلها المطروق في الستينات وكانت جماعة كركوك تسعى وتشتغل على قصيدة نوعية لطرحها في الشارع العراقي، وقد برز من بين جماعة كركوك الشاعر الراحل جان دمو والشاعر فاضل العزاوي، الذي كتب الرواية أيضاً، متكئاً على الرواية القصيرة (القلعة الخامسة مثلًا)، شعراء جماعة كركوك تركوا قصائد تحصد ما بين الحروف، ووطناً يحترق من شماله إلى جنوبه. لم أدخل إلى التقليل من الشعرية والشاعرية التي تنتاب الشاعر في آخر الليل، وكما هو بودلير عندما جعل الحياة مشفى كبيراً وكلّ واحد يغيّر سريره، فكلّ شاعر يغير رسالته/ عفوًا قصيدته، وينام نومةً صامتةً، لا يسعه النهوض إلا مع نصّ مثالي، قصيدة تنتمي إلى لسان الشاعر ومحسوساته المحصورة بين الذهنية والبصيرة التي تصبّ برؤى أريحية وهو يناضل من هذه الحياة، لحياة أكثر شاعرية. إذن الشاعر ليس حديقة يتمتع بزهورها، وإنما هو في زنزانة كبيرة لا يعرف الخروج منها إلا بنصّ قابل للضجيج.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش

1-تمتدّ البرهة من الثانية إلى ستّة شهور حسب ماذكره العلامة العراقي د. مصطفى جواد

2-الدكتورة حياة الخياري - مجلة الكوفة - مجلة فصلية محكمة - ص126 - السنة الثانية العدد الثالث - صيف 2013.