اخر الاخبار

يهندس الفنان الدكتور سلام جبار عناصر لوحته كما لو تكون مسرحا بصريا نابضا بالحوار الصامت حيث تتقاطع الرموز والأساليب لتفتح باب التأويل على مصراعيه.

تجمع المشهدية بين شخصيات متعددة الطباع والانفعالات وكأنها تجلس حول مائدة نقاش لا ينتهي فيما تتداخل عناصر الحياة اليومية مع إشارات الفن المعاصر - مثل العمل الشهير للموزة الملصقة على حائط - في إحالة ذكية إلى أسئلة القيمة والمعنى في الفن.

ان الألوان الجريئة وتباين الضوء والظل يخلقان توتراً بصرياً يعكس حرارة النقاش بينما توضع الفاكهة وأدوات المائدة كرموز للغواية والمعرفة وربما السخرية من الاستهلاك البصري.

لا يكتفي الفنان هنا بتسجيل لحظة بل يحوّلها إلى فضاء فلسفي يسائل المتلقي:

هل ان الفن انعكاس للحياة أم ان الحياة صدى للفن؟

لم تكن هذه اللوحة مجرد جدل بين شخوصها بل هي جدل بين اللوحة والناظر. والاهم من ذلك انها جدل بين الفن وسؤال وجوده.

تتخذ لوحة سلام جبار من اللون الأصفر محورًا بصريًا لافتًا  إذ يحضر كطاقة دافئة ومضيئة تكسر التوترات الداكنة. وتُدخل عنصرًا من المرح والغرابة في المشهد  فيحيلنا إلى دلالات النور والخصوبة والعبث في آن واحد فليس الأصفر هنا مجرد لون بل صوت داخلي يعلو وسط النقاشات الصامتة.

وإذا ما حاولنا رسم خط (البنكتوم) الأهم للقطة بموجب فهم رولان بارت في كتابه (الغرفة المضيئة: تأملات في الفوتوغرافيا) لتكوين ليس فقط الصورة الفوتوغرافية انما اية صورة فسينشأ من متجهات نظر الشخوص مثلث تخيلي داخل تكوين اللوحة (تتجمع) قمته في رأس الموزة الملتصقة بالحائط وكأنها العين العليا التي تراقب هذا المسرح وبذلك سينشا مثلث (مقلوب) تكون قمته في الجهة اليسرى من اللوحة ويذكرنا هذا التكوين بما يُعرف بـمثلث (قسم هوراس) لجاك لوي دافيد  حيث يُوظف الشكل الهندسي لفرض نظام ومعنى خفي في المشهد. لكن مثلث سلام جبار يتحول الى نظام بصري او معادل بصري ان شئنا لبنية فلسفية ساحرة تتشكل قاعدته من شخصيات الحوار الذي لا ينتهي وهو يرسل تردداته الى قمته التي يحتلها (رمز) فني معاصر يثير التساؤلات عن القيمة والجدوى.

إنها لوحة تبني جدلًا بين: الشكل والرمز  وبين اللون والفراغ وبين الموروث الكلاسيكي والفن المعاصر لتضع المتلقي أمام سؤال يتجدد مع كل نظرة:

هل نحن أمام محاكاة للحياة أم أمام محاكاة لسؤال الفن ذاته؟

يؤكد هذا العمل أن تجربته ليست معزولة بل هي ثمرة تراكم خبرة طويلة في قراءة التاريخ البصري وفي إعادة صياغته بلغة حداثية فاستطاع عبر سلسلة من الأعمال أن يطوّر خطابًا تشكيليًا يقوم على الحوار بين الرمز والمعنى ليمنح المتلقي دومًا مساحة للتفكير وإعادة الاكتشاف.