اخر الاخبار

لم يسجل فن القصة القصيرة جدا تاريخا طويلا في العراق نسبة الى قلة كتابها وعدم الاستمرار بكتابتها على طول الخط وكانت تجارب للقاص ابراهيم احمد في هذه الفن القصصي وكذلك حنون مجيد واخرين لذلك فان نشر قصص قصيرة جدا بين الحين والاخر تثير لدى النقاد الكثير من الاسئلة وهذا ما دفعني للكتابة عن  خمس قصص قصيرة للقاص كاظم جماسي لان القصص المنشورة تشجع النقد على التعرف على التفاصيل التي تحملها القصة القصيرة جدا من صفات سردية واجب توفرها في هذا الفن ,ومن اول الاشياء التي يجب ان تتوافر فيها هو عدم انفصالها التام عن فن القصة عموما من بداية ونهاية وحكاية يمكن تداولها بوضوح لان الكثير من التجارب التي نشرت تحت هذا المسمى تجردت من الحكاية وذهبت الى  الشطحات النثرية القريبة من حافة الشعر من دون ان يكون لها ملامح واضحة ,وتشير قصة (صورة ) الى الكثير من ملامح القصة القصيرة جدا وهي تسرد حكاية الشاب الذي يبلغ سن الرشد/والذهاب الى الحرب في متوالية مأساوية لان والده مات في الحرب ولم تبق منه غير صورة على الجدار وحين اراد الشاب الذهاب الى الحرب تطلب منه امه(قبل ليلة من موعد الالتحاق طلبت إليه أمّه وبإصرار غريب قاطع، أن يلتقطا صورة تجمعهما معاً.)ان هذا النموذج القصصي يحتوي على اغلب الشروط لفن القصة القصيرة جدا وخاصة الالتماعة في نهاية القصة التي تفتح باب التأويل الذي يشترك فيه القارئ.

اما القصة الثانية (اسعاف اولي )فهي تسير بنفس الاجواء العائلية لشخصيتين الابن والام والتي تلقى منها نصيحة مفادها(الزمن كفيل بعلاج الجراح)ولكن الخبرة التي اكتسبها الرجل بعد مضي الزمن جعلته ينكر هذا الدرس الامومي(لقد تبين من بعد، أن الزمن لا يقدم سوى" إسعافات أولية"، فيما الجراح العميقة تظل نابضة هناك في الأعماق.

 إن لم تتمدد وتكبر) وهنا تبدو القصة القصيرة جدا مكتفية بذاتها وتسير وفق حدود وجودها التعبيري الذي يختزل ويعطي عصارة التجربة الحكائية دون ان يفرط باصول السرد.

وتسير قصة (نرسستي ) في الخيال المفرط بالغرابة فالشخصية تعرف وتفلسف حياتها وهي نطفة لم تولد بعد وتحاول عدم الخروج الى العالم الخارجي ولكن نهاية القصة تفضح مسار الامور الى نهاية واقعية (شأتَ أنا أم لم أشأ .." سبق السيف العذل" .. ولادتي كانت قد حدثت، 

حدثت ولكن ..

في الزمن الغلط.) فلقد وقعت الولادة ولكن في الزمن الخطأ مما يوحي في التاويل الى التوقعات الاولى التي تخشى الولادة في زمن صعب ولا يناسب الشخصية التي تنشد السلام ,وهذا الخط السردي يختلف عن الخط الاول الذي يعتني بالبداية والنهاية واكمال الحكاية في صورة قصيرة جدا.

وتشترك قصة(انهمار) مع قصة (نرسستي )في التهويمات اللغوية والاعتماد على الانثيالات اللغوية  التي تؤدي الى الاسئلة الوجودية حيث يعتمد القاص على الاساطير والشخصيات الاسطورية وكأنها تحصيل حاصل سوف يتقبله القارئ والذي يفترضه القاص مثقفا(أتساءل مجدّدا: ألم تنشف، كل هاذي الدهور مآقيهم؟ ألم يحنْ حين الطوفان؟

وهل من فُلك خلاص، مطلي من داخل وخارج بالقار، يصنعه نوح جديد؟.) هذه القصص تعتمد على الفكرة الذهنية التي تعبر الواقع الى الافتراض وفق رأي السارد الذي يلاحق الفكرة دون الاهتمام بشكل القصة وتاثيرها.

القصة الخامسة(محو) تتماهى مع سابقتها بالاستنجاد بالجد كلكامش طمعا بابدال اليأس بالامل وكانها تكمل المسار السردي عبر الاساطير معتمدة على قصر القصة والاختزال الا انها تذهب بعيدا في الخيال وابدال الواقع بالاشياء الجامدة حتى ان الورقة تتحدث وبذلك ينقلنا الى منطقة اخرى قد لا تتحملها القصة القصيرة جدا (أتاه صوت صاحبته الورقة تسأله: ماذا لو كسرت القلم، ماذا لو امتلكتَ شجاعة المحو؟ وأحللت" اليأس" محل ذاك الوهم البليد البائس، وهم الأمل ..

جَرّبْ .. هل تقدر؟!)

اننا نجاهد من اجل التقارب بين القاص والقارئ والجهد السردي من اجل العثور على خصائص القصة القصيرة جدا ونماذج القاص (كاظم جماسي)تتيح لنا العثور على اكثر من خصيصة تقف مع قصصه الخمس في السرد والحبكة والوقوف في منطقة القصة القصيرة جدا في اكثر من موضع سردي.