اخر الاخبار

ما زالت موضوعة التاريخ حاضرة، ومتمركزة بالفعاليات الثقافية وعلى المحافل ضمن نشاط اتحاد الأدباء والكتاب. تصعد هذه الموضوعة بشكل مفاجئ أثناء الحوار وتحقق استجابة جيدة لدى الحضور وبعمق عبر حواره ويمتد بعيداً، ومثل هذه الظواهر تتمظهر عن الطاقة التي يتمتع بها التاريخ، منذ زمن غير قريب وأنا أعتقد بأن الفلسفة ساهمت بشكل جوهري بفتح المنافذ عليه وتسليط القراءات التي أثارت كبير الاهتمام في فرنسا وخصوصاً انجازات المفكر ميشيل فوكو عبر التاريخانية التي عرف بها “ تاريخانية الجنس / تاريخانية الجنون. لاحق عبرهما تاريخ الحضارة الغربية ووضع اليد مشخصاً الدور الكبير الذي قامت به من اجل الطرد للآخر “ الجنون “ الذي أساء الى المجتمع وتقاليده. ومثل تاريخ الجنون هو الذي لعب دوراً في الدعوة للسلطة وتعزيز آلياتها التي تمكنها من تطويق المرضى واللجوء للعزل، لحماية الجماعات من خطورة ما هو الحاصل وصيانة الآخر من الأمراض الخطيرة، واقترح مستعمرات الجذام.

تاريخانية ميشيل فوكو، مغايرة عما هو متحقق بالتداول اليومي الثقافي المعني بما هو يسير وممكن لإدامة الحوار والتبادل مع الآخر / المتلقي. وتقلص الحضور الفلسفي عن الدور الفوكوي البارز، والمهيمن، على الثقافة والفكر الفرنسي والعالمي لأن درسه الفلسفي المكرس للتاريخانية، اتسع وتنوع وأهم ما برز فيه السلطة، والجسد، والعلاقة بين الاثنين، لأن السلطة تخاف من الجسد ولابد من معاقبته ومراقبته وكان السجن احد وسائل السلطة لتهديد الانسان وتقليص مخاطره على المجتمع الارستقراطي. ولعل اشارات السلطة الواضحة ضد الجسد وتطوير مراكز البحوث الفلسفية. ما تم التعارف عليه حول الجسد ووجود تنوعات خاصة به ومنها على سبيل المثال البدن الذي يستوعب ما يذهب اليه المجال التكفيري المعني بالجسد، لأنه ومثلما أشارت الفلسفة المهتمة به قادر على بث رسائل، لها وظائف خاصة به، تفتح مجالاً واسعاً بالعلاقة مع الآخر، ودائماً ما تكون له صور وتبدّيات معبرة عنه ومن المألوفات لظهوراته المعروفة على نطاق واسع التواجد الصامت للجسد ولذلك أسباب، أهمها، أنه لم يجد فرصته للحوار، بسبب مقيدات السلطة، كذلك هناك الجسد الصاخب الذي يبدو دائم الحضور في السينما والأسواق.

انشغل فوكو باللذيات وابراز الدور المركزي الذي تتمتع به الجنسانية المعنية بالتعرف بالجسد والاطلاع عليه والتعامل معه ضمن فضاء اكثر اتساعاً،وكان فوكو وراء وجود الجنسانية بالتداول واستمرار البث، ودخلت ــــ أيضاً ــــ ضمن تحليلاته للخطاب الثقافي، والدور الذي لعبته الثقافة، للكشف عن المتكتم عليه. وأحد أبرز اهتمام الفلسفة هو الجسد لأنه مهتم بالتعرف به وعليه.

أثار ميشيل فوكو رأياً عن فلسفته التاريخانية، بأنها خاضعة لقدرته على تبديل مكامن الأفكار والقيم التي بلورت كثيراً من العلاقات بين مجالي السلطة والكائن. لأن الاستراتيجيات الخاصة بفوكو هي القادرة على اجتذاب خال الأفراد بوصفهم مشاريع، بدون سياق، وهي ما يشكله النظام الحديث للمراقبة والهيمنة. تستعمل السلطة بعض التخطيطات الاستراتيجية وبعض وسائل الضغط، تماماً كما يبين ذلك فوكو ن حين يصف التغيرات التي تحدث حينما تستحوذ السلطة على أدوات مقاومتها وتستعملها والعكس / مصطفى الحسناوي / سياسة فوكو / السلطة / المعرفة / الهيمنة / دار دال للنشر / دمشق / 2010 / ص84.

لقد ساد تصور شائع عن قدرة السلطة بأنها تهتز وتتأرجح، وهذا رأي رفضه فوكو، لأن السلطة بإمكانها التراجع وتغيير مكانها واستثمار وجودها وآلياتها في أمكنة أخرى / ن. م / ص74. فما دامت السلطة هي منتجة الخطاب والموظفة له في الأماكن التي اختارت فيها وجوداً لها، تظل مسؤولة عنه، والمبتكرة لآليات جديدة لتوظيفه من أجل تحديد أشكال التوظيف. وعبر مؤسساتها المعروفة بتنفيذ ما تريد. وبالتالي تجعل الكائن مأخوذاً بخطابها والرضا بتداوله. ويتغير مكان تواجد السلطة خارج المؤسسات المكونة للدولة، وتذهب لمؤسسات النشاط الثقافي والفني والاجتماعي وحتى الديني، الذي تعامل معه فوكو بوصفه نوعاً لايديولوجيا القمع. يرتضيه الانسان ويتداوله بحماس ويزاول طقوسه وشعائره “ واقترح فوكو من خلال مفهوم الرقابة ــــ شأنه شأن غرامشي والتوسير ـــــ أن المرء “ على المستوى الفردي “، يعد لين العريكة في مواجهة قوى السيطرة، وأن القوة والتحكم يبذلان من خلال الرقابة بطريقة تجعل الفرد يقبل بشروط التحكم، ومن ثم يصبح سجّان نفسه. كتب فوكو في كتاباته اللاحقة تحديداً المجلد الثاني والثالث من تاريخ النشاط الجنسي / فالوري ناي / الدين، الأسس / ت : هند عبد الستار / الشركة العربية للأبحاث والنشر / 2009 / ص120.

عرض مقالات: