اخر الاخبار

في زاوية صغيرة من البيت، من الشباك، حيث تتسلل أشعة الشمس الذهبية لتلامس الأرض، وتضيء المكان، كانت مريم تجلس في عربتها التي تساعدها على التنقل في البيت. كونها من "ذوي الاحتياجات الخاصة". لم تكن مجرد طفلة في السابعة من عمرها، بل كانت عالما من الألوان الزاهية والحياة الدؤوبة. شعرها الداكن ينسدل على كتفيها الصغيرين، وعيناها الواسعتان تتلألآن ببريق خاص، بريق لا يراه إلا من يعرف عمق روحها العزيزة. كان الرسم هوايتها، ولا شيء غير الرسم. شغفها الذي يملأ أيامها. لم تكن فرشاتها ترسم خطوطا عادية، بل كانت تروي حكايات. على أوراقها البيضاء، كانت تظهر بيوت بألوان قوس قزح، وأشجار تتراقص أوراقها النظرة مع الريح الهادئة، ووجوه عفوية ضاحكة تملأها البهجة. كانت ترسم أحلامها، وآمالها، وكل ما يخطر ببالها. كان والدها يراقبها بصمت، عن قرب أو بعد، وقلبه المتعب ينبض بحب عميق لا حدود له، حب يمزقه ألم خفي. فمريم كانت تعاني من مرض عضال، مع إعاقتها، كل يوم يمر، كان يرى كيف يتسلل التعب القاسي إلى جسدها الصغير، لكن روحها الصامدة كانت ترفض الاستسلام. كانت تتمسك بألوانها، بابتسامتها الرقيقة، بحياتها القصيرة.

في إحدى الأمسيات، بعد أن أنهت مريم رسم لوحة كبيرة لزهرة عباد الشمس، نظرت لوالدها بعينيها اللامعتين وقالت:

- بابا، أريد أن أرسم لك كل الزهور في العالم، حتى لا تحزن أبدا.

ابتسم لها، ودمعة خفية تسللت من عينيه، فاحتضنها بقوة، شم رائحة شعرها، وتمنى لو أنه يستطيع أن يحتفظ بهذه اللحظة إلى الأبد. مرت الأيام، وأصبحت الألوان على لوحات مريم أكثر حيوية، وكأنها كانت تحاول أن تترك بصمتها، أن تملأ العالم بجمالها قبل أن يبهت. كانت ترسم أحيانا وهي تشعر بالتعب، تتوقف قليلا لتستريح، ثم تعود لتكمل لوحتها بعزيمة تذهلني.

في أحد الأيام، وجد والدها انها نائمة بهدوء، وفرشاتها الصغيرة لا تزال في يدها، والى جانبها لوحة لم تكتمل بعد. كانت لوحة لسماء صافية، لكنها لم تضع فيها النجوم بعد. كانت تبدو وكأنها استراحت من رحلة طويلة. انقبض قلبه، عرف أن مريم قد ذهبت إلى حيث لا ألم، إلى سماء مليئة بالنجوم التي لم تتمكن من رسمها. احتضنها، ودموعه كانت تمتزج بألوانها الزاهية على اللوحة. بقيت لوحات مريم في البيت، تملأ الجدران بالألوان والحياة. كلما نظر إليها، تذكر مريم، طفلته التي علمته أن الجمال يمكن أن يولد من الألم، وأن الحب يمكن أن يضيء حتى أحلك الظروف. لم يكن هناك دواء لمرضها، لكن فنها وحبها كانا الدواء لروحه. فيما بقيت ألوان مريم تضيء حياته إلى الأبد.