اخر الاخبار

تعد رواية " صلاة القلق" لمحمد سمير ندا عملاً سردياً متماسكاً يعكس تجربة إنسانية متأزمة، تقوم على  القلق الوجودي والخذلان الجمعي من خلال مجتمع صغير مغلق هو "النجع"، والذي يُشكّل بيئة رمزية تختزل الصراعات السياسية والاجتماعية والدينية التي عصفت بالمجتمع المصري والعربي خلال فترات محورية من تاريخه الحديث.

تُبنى الرواية على سرد بوليفوني واضح؛ حيث تتعدد الأصوات السردية وتتنوع وجهات النظر بين شخصيات مختلفة، دون هيمنة السارد العليم، مما يسمح للقارئ بتكوين تأويل حر.

كل شخصية في الرواية تحمل منظوراً خاصاً، وتعبر عن أزمة وجودية أو اجتماعية، سواء في مواجهة السلطة أو الحرب أو التقاليد أو حتى الذات.

كما تتخلى الرواية عن الحبكة التقليدية الخطية، وتلجأ إلى بنية مفتوحة تقوم على التقطيع الزمني، فيشتبك الحاضر بالماضي، وتتقاطع الذاكرة مع الواقع، مما يُعزز الإحساس بالاضطراب والقلق، انسجاماً مع عنوان الرواية.

تُجسِّد الشخصيات أبعاداً رمزية أكثر من كونها نماذج واقعية، اهمها:

- نوح النحال مثال للإنسان المهزوم تحت وطأة الخوف، والتسلط، وذكريات التعذيب، وهو في ذات الوقت حامل بذرة التمرّد.

- محجوب النجار يمثّل صوت التصالح الديني والروحي، لكنه عاجز عن الفعل، ومشدود بين إيمانه وأوهامه.

- شواهي تمثّل الحياة، الرحم، الديمومة، كونها لم تتأذَّ من الوباء الذي جعل منها رمزاً لـ"جوهر الحياة الباقي رغم الخراب".

- حكيم ابن الخوجة، هو الآخر شخصية مريضة نفسياً، مهووسة بالبحث عن المعنى، ويُحتمل أن تكون شواهي كلها وهماً متخيّلاً في عقله.

- النجع يرمز إلى المجتمع العربي المتخشب، الخاضع، والمكبّل بالخوف.

- النيزك والوباء يرمزان إلى لحظة الانهيار النهائي التي تُسقط الأقنعة وتُفني التقاليد القامعة.

- سقوط الحواجب والشعر إشارة رمزية إلى زوال الهيبة، والتحول من كائن اجتماعي إلى كائن فاقد للمعنى بل اقرب للسلاحف التي تعيس حياتها ببطءٍ هامشي.

وتتناول الرواية بشكل ضمني ثيمات مثل:

- الخوف الجماعي.

- اغتراب الإنسان داخل مجتمعه.

- سقوط الأيديولوجيات (نكسة 67، خيبة عبد الناصر).

- عبث الحروب.

- العزلة والفقد.

اللغة والأسلوب:

لغة الرواية مشدودة، دقيقة، محملة بالإيحاء، وأحياناً تميل إلى الشعرية المكثفة من  دون أن تقع في الزخرف. تعتمد على الصور الرمزية والتناص التاريخي والثقافي، وتُراهن على الإيقاع الداخلي للجملة، مما يمنح السرد بعداً تأملياً يلائم جو القلق الذي تنقله للقارئ بكل بساطة.  ليست "صلاة القلق" مجرد حكاية عن قرية أو شخصيات تنتظر عودة أبنائها من الحرب، بل نصّ يتعامل مع الإنسان ككائن هشّ، تائه، يائس من الخلاص، ويبحث عن المعنى في عالم فقد المبررات لوجوده. وقوة الرواية تكمن في قدرتها على جعل القارئ يشعر بعدوى القلق، وهذا بحد ذاته نجاح فني ونفسي معاً. هذه الرواية تُذكّرنا بأعمال أدباء الحداثة التي تجعل من العبث والانتظار والموت البطيء موضوعاً للكتابة، لكنها تفعل ذلك داخل بيئة عربية، محليّة، نابضة بالتفاصيل.