المناسبة التاريخية بصمة وتأسيس ، لا تضاهيها شعارات ومزايدات وانقلابات تطفو كزبد ذهب هباء ، وهذه البصمة الحقيقية باتت تأسيساً لا زال فاعلا وبين المد والجزر، حيث صدرت عام 1935 جريدة "كفاح الشعب"، بعيدا عن النخبويات ، لتنتمي لشعب اكتشف انه ليس مجرد ولايات لها مرجعية في اسطنبول او غيرها ، بل ان الجذر كان محجوبا باستبداد مغلف بشعارات ، كانت وراء جميع عناوين الرعب والظلم ، والادهى انه هذا النفس لا زال نابضا ، ليمثل نموذجا لهيمنات حالية ، نظرا لخصوبة وهشاشة لا زالت في اجندات اغلب المتناغمين المتغانمين من غير اليسار العراقي ، الذي يكاد ان يكون الراية الوحيدة ، لها جذرها وقاعدتها في جغرافية بلد طالما كان ولا زالت اصوله ’ تتشرف بماض كان فجرا للحضارة العالمية .
كان اليسار رمزا وفعلا للوطنية الاتسانية ، وليس مجرد جغرافية زاجفة الى مساحات مجاورة ، بنزعة شعبوية كما يتم ترويجها بأسم عودة الامبراطوريات القديمة المتعكزة على عنصر التفوق التاريخي، وهذا ما حصل مع القوميات التي تفجرت بعد الانحسار الشكلي للاستعمار القديم . بقيادات شعبوية قومية الطابع ، وبدون برنامج او خط اقتصادي واضح يصلح لتعبئة جماهيرية الى جانب الادعات السياسية ، هذا ما كانت تثقف ضده اعلاميا صحافة اليسار العراقي.
ولا زالت تعمل منذ الثلاثينيات ضد التفاوت الطبقي الصارخ الان من خلال الاقتصاد الريعي ، او ما يسمى بالاقتصاد الاحادي الجانب ، بعد تدهور الزراعة والصناعة ، بالعزل التام والحيلولة دون التكامل الاقتصادي داخليا بين القطاعات الثلاث ( الزراعة والصناعة والخدمات) لكي تستمر عملية التدهور والعلاجات الترقيعية خادمة لفساد البيروقراطية ا لتاريخي والمعاصر . فالتفاوت الطبقي كان ولا زال محور الحدث السياسي والاجتماعي والاقتصادي والنفسي ، في ظهور شعبويات في ظل الشرائح الاجتماعية المهمشة المرعوبة من المجهول لتفتش عن مخلص لا بديل له . بتجليات مختلفة حسب ظروف كل مكون .
وهذا عادة ما يجتاح الشعوب عند تصفير اهدافها ومرجعياتها الثقافية . كما حصل في الدول المتقدمة . التي خسرت في حروبها مع بعضها غالبا . كما حصل في المانيا بعد الحرب العالمية الاولى .
كان اليسار وثقافته العنصر الجوهري الذي اشر الى السبب وادان المغامرات والمجازفات . والعراق خبر نتائجها في الربع الاخير من القرن المنصرم ، ولكن العوامل لا زالت ، لتعزل اليسار عن العمل السياسي ، وحتى من النقابات التي كان مؤسسا لها بنشاطها وثقافتها ، من خلال صحافته ومنشوراته السياسية في السجون وخارجها . بفعل الهزة الاولى لصدور جريدته رسميا "كفاح الشعب" التي حرصت ان تكون لسان حال الوطن والمواطن.