اخر الاخبار

منذ صبانا، تعلمنا من أساتذةٍ نبلاء، لا يعرفون للخير طريقا إلّا وسلكوه، يبصرون فيما وراء السائد، نحو آفاق التطلع، لعالمٍ جديد خالٍ من الوجع والجور والحرمان. ويفكرون في بناءِ بلادٍ لا تذلُّ وتسحقُ أبناءَها، وتدفعهم للتذمر منها، وتركها بالانتحار أو بالهجرة لأرضِ الشتات والخذلان.

كانوا عمالا وفلاحين ومعلمين ومدرسين ومن باقي الفئات الاجتماعية، غير أنهم يتميزون بسمات ألفناها فيهم، ألا وهي: الإخلاص للعمل، والإيثار، واحترام الآخر وحسن الاصغاء له، وابداء النصح والمساعدة لذوي الحاجة، وحب الناس جميعا، ومن أعظمها الإخلاص للوطن. ومن المعروف أن الحزب الشيوعي العراقي، تأسس في 31 آذار 1934. وفي 31 تموز 1935 صدر العدد الأول من جريدته السرية (كفاح الشعب) وذلك لحاجته الماسة لها، من أجل تنظيم وتطوير حياته الداخلية والثقافية، كي يتجاوز الظروف السياسية والأمنية والاقتصادية الصعبة التي مرَّ بها.

والحزب عبر سفره النضالي المجيد، لم تمنعه ضراوة مسالك مواجهة جبروت السلطات، من اصدار مجموعة من الصحف والمجلات منها: الشرارة/ القاعدة/ اتحاد الشعب/ العمل/ وحدة النضال/ النجمة/ الاتحاد/ شورش بالكوردية/ آزادي بالكوردية/ همك بالأرمنية/ الأساس/ العصبة/ كفاح السجين/ الفكر الجديد /طريق الشعب/ الطريق الثقافي/ النصير/ طريق النصر/ ريكاي سركفتني بالكوردية/ ومجلة الثقافة الجديدة.

وكذلك إذاعة صوت الشعب العراقي. لأنه (منذ البداية كشف الفصيل الفتي الرائد، الملتهب حُبا للوطن ولبسطاء الناس أوراقه على صفحات جريدته الأولى السرية -كفاح الشعب- حيث دعا في عددها الأول الى تصفية القواعد العسكرية الأجنبية وإلغاء معاهدة 1930، والى يوم عمل من ثماني ساعات وتوزيع الأراضي على الفلاحين، وتصدّرَ الشيوعيون العراقيون نضالات الجماهير ومعارك العمال وهبّات الفلاحين. ولعبَ باني الحزب الرفيق -فهد- دورا أساسيا في بلورة توجهاتهم الوطنية والتقدمية واستراتيجيتهم)1.

والشيوعيون الأوائل، هم معلمونا النجباء الذين كانوا قدوةً نيِّرةً لنا، ومبعث فخرنا، فقد تعلمنا من سلوكهم القويم، وتثقفنا من خلال ثقافتهم، واخترنا تطلعاتنا لعالم أرحبٍ وأجمل، من أضواءِ رؤاهم السديدة. ولولاهم لتهنا في دياجير الخرافة والأوهام والعبودية للوسطاء المقنعين بيننا وبين ضوء الحقيقة.

وبفضلهم نحن الآن على وعيِّ تامٍ، بأن ما يجري في البلاد الآن هو بسبب الانصياع الأعمى لذوي الأقنعة الذين مارسوا كلَّ الوسائل اللاإنسانية لإيهام الناس وتجهيلهم، والقبض على لقمة عيشهم والتلاعب بمقدراتهم، وتهميش وافناء من لا يخضع لسلطتهم الغاشمة.

وكيف لا وهم ينتمون أو يحبون حزبا عظيما مناضلا عنيدا في الدفاع عن حرية الوطن والشعب، حيث (يجمع الحزب بثبات بين القضية الوطنية وقضية الديمقراطية، وينظر إليهما في إطار وحدة لا تنفصم، فهو يعمل على إقامة نظام ديمقراطي اتحادي أساسه التعددية الفكرية والسياسية، والفصل بين السلطات، والتداول السلمي للسلطة، واحترام حقوق الإنسان، وضمان الحريات الشخصية والعامة، واعتماد مبدأ تكافؤ الفرص، وتأمين العدالة الاجتماعية، وبناء دولة القانون والمؤسسات، الدولة المدنية الديمقراطية العصرية كاملة السيادة)2.

وبعد هذا السعي والنضال الطويل للحزب الشيوعي العراقي، وسواه من الأحزاب الشيوعية العالمية، والحركات التحررية في جميع دول العالم، التي كشفت من خلالها، ما تعانيه الشعوب من ظلم وجور الحكومات الجائرة.

وتواصلها الحثيث على رفع تقاريرها المرفقة بالوثائق والصور الدامغة، الى منظمة الأمم المتحدة، والتي تبنت يوم 10 ديسمبر 1948 في قصر شايو في باريس (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان) حيث نص في المادة الثانية (لكلِّ إنسان حقُّ التمتُّع بجميع الحقوق والحرِّيات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أيِّ نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدِّين، أو الرأي سياسيًّا وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أيِّ وضع آخر) 3.

إنَّ صدور العدد الأول من جريدة (كفاح الشعب) مثَّلَ الاطلالة الأولى، لقمر الفكر العلمي والثقافة التقدمية على العراق. بينما صدور العدد الأول من (مجلة الثقافة الجديدة) كمجلة شهرية ثقافية عامة، مثل اكتمال القمر، أو أن المحاق صار بدرا.

لأنه كان شاملا للثقافة والفكر والعلوم والآداب والفنون وهذا المجتزأ من افتتاحية عددها الأول، يبين لنا نهجها التقدمي المتطور على الدوام (قد يكون تعدد المذاهب وكثرة الآراء من أسباب الأزمة الفكرية الحاضرة التي تجتاح العالم من أقصاه الى أقصاه، إلّا أن باعثها الرئيس، كما نعتقد، هو تطور المجتمع السريع الذي كان من نتائجه أن أصبحت كثير من الأفكار والتقاليد لا تتفق وحاجات المجتمع الحديث ولا تنسجم مع مرحلة تطوّره الحاضرة.

فإذا بالجيل الجديد يعزفُ عمّا لا يستجيب لحاجاته، باحثا في هذا الحاضر المضطرب عن طريقِ المستقبل الصحيح)4.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ    

1- مجلة الثقافة الجديدة العدد 443-444 اذار 2024 / محطات في مسيرة الحزب الشيوعي العراقي/ اعداد رئيس التحرير/ ص9.                                                                          2- المصدر السابق/ ص8.

3- كراس (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان) الجمعية العامة للأمم المتحدة/ المادة الثانية/ ص6. والذي تبنته الأمم المتحدة يوم 10 ديسمبر 1948 في قصر شايو في باريس.

 4- مجلة الثقافة الجديدة/ الثقافة الجديدة/ لجنة التحرير/ العدد الأول/ بغداد تشرين الثاني 1953/ ص1.