"أحزانُ السَّنَةِ القادمة" اول عمل مسرحي لعلاء كولي يقف في المنتصفِ بينَ طلبِ النُّخبةِ والعامة، غارقٍ في الكوميديا السوداءِ، ممتزجٍ بالسخرية من الواقعِ السياسيِّ والاجتماعي، مع كوميديا طفوليَّة، تُشبه ما يردّده الأطفالُ من عباراتٍ مثل: "السيِّد حمار" أو "السيِّد خنزير"، وهي كلماتٌ بريئةٌ في الظاهرِ، لكن توظيفَ ما يُشبهها من روحٍ يحملُ في السياقِ المسرحي دلالاتٍ تهكميَّةً جارحة. تبدأ المسرحية بمحاولةِ اصطيادِ شيءٍ، وكِلا الشخصيتين: حسن/ناجي، وهما البطلان الوحيدان تقريبًا في المسرحية، يتحدثان عنه ويلوم أحدهما الآخرَ على عدم اصطياده، ويتّضح فيما بعد أنَّ هذا الشيءَ هو كلبٌ سائبٌ. وهنا يتّضح توظيفُ ممارسةٍ طفوليَّة، وما يفعله الأطفالُ في محاولةِ اصطيادِ الكلابِ السائبةِ المنتشرةِ في الشوارع، بغضِّ النظرِ عن الظلمِ واستلابِ الحقوقِ الذي تتعرض له الكلابُ والحيواناتُ بشكلٍ عامّ. يتطوّر المشهدُ ليتّضح أنَّ أحدهما يُطارد الآخر معتقدًا أنه كلب، ويبدو أن كليهما ضحيَّةُ أحدٍ ما شرّيرٍ لعب بالإعداداتِ داخلَ رأسيهما لينشغلا عن "كلبيتِه" التي يفيض بها جسدُه، وجعلهما على هذه الحالةِ التي يُرثى لها وبذات الوقتِ هي مضحكة. هنا، الكلبُ لا يرمزُ إلى الوفاءِ في هذا العملِ المسرحيّ، بل الرمزُ يتماهى مع الشتيمةِ والكلبُ الذي يبدو أنَّه أساءَ لحسن وناجي وأخذَ حقوقَهما، هربَ مبكرًا. ينمو العملُ المسرحيُّ معبّأً بالضحكِ كَرَدّ فعلٍ استثنائيٍّ ضدَّ الجريمةِ السياسيَّة، ويبدو حَلًّا عفويًّا لمواصلةِ الحياةِ المعقَّدة. وتبرز في الأفقِ روحُ التحشيشِ كغيمةٍ أو دخانٍ أو عباءةٍ اقتلعتها الرياحُ من نافذةِ إحدى المنازل، يكتشف كلاهما مدى الخديعةِ التي غرقا فيها.
حسن: أحمقٌ أنتَ!
ناجي: هههه وأنتَ "أحمق فاتح"!*
تتماهى الشتيمةُ مع تدرُّجاتِ الألوان، في تلاعبٍ لغويٍّ ساخر.
بعد توظيفِ الكلبِ السائبِ وداءِ الكلبِ ومزيجِ الكلبيَّةِ والفسادِ في المسرحية، تأتي مرحلةُ توظيفِ الحمارِ وداءِ الحمير:
السخريةِ تكشف عن هشاشةِ الواقعِ السياسي، وتحويله إلى أداةِ نقدٍ سياسيٍّ لاذعٍ، والرقيِّ به وتوظيفه كأداةٍ مشاكسةٍ. السخرية من الموت بفعلِ الثراءِ الفاحش، والخوفُ ممّن ينقُصُ شيئًا من هذا الثراءِ، والسخريةُ من سنواتٍ ميتةٍ في العملِ والطردِ من العملِ لأسبابٍ فنيَّةٍ لعَطَبٍ ما، وحضورُ الآليةِ وغيابُ الإنسانيَّةِ في الحياة. يتناوبُ الضحكُ والبكاءُ، ضحكٌ يتوقّفُ ويتحوّلُ إلى بكاءٍ، أو بكاءٌ يتحوّلُ إلى ضحكٍ، تناوُبٌ على أشدِّه والكوميديا السوداء غيومٌ سوداء كثيفة، حتى ينزلَ المطرُ المسرحيُّ متمثِّلًا بذروةِ الإبداع. بدأت المسرحيةُ بتهديمِ رمزيَّةِ الكلبِ الراسخةِ في العقول، والرمزيةُ تتطوّر لاحقًا أو تتجرّأ لتشملَ رمزيَّةَ الوطنِ ومحبته واكتشافِ مدى زيفها.
يتواصلُ شجارهما وضحكهما وبكاؤهما، والمسافةُ الكوميديةُ المفجوعةُ بينهما وبين الوطن، والعزفُ على العودِ من قبلِ أحدهما معزوفةٌ حربيَّةٌ أو فوضويَّةٌ وبلا معنى، ثم رميُ العودِ على الأرضِ ومواصلةُ الشجار، ثم قتلُهما لشخصٍ ثالثٍ يحاولُ أن يُطلِقَ معزوفةً جميلة، ويبرزُ معنى العودِ الجميلِ العذبِ وارتباطه ببثِّ السكينةِ وتفتيتِ معاني الحروبِ الصدئة.
في النِّهايةِ، يتركانِ العازفَ مضرجًا بدمه، ممددًا على خشبة المسرح، ويُشيِّعانِ العودَ. شيءٌ مُحزنٌ، وكسرةُ ظهرٍ أن يتعرّض العازفُ للاغتيال... شيءٌ جميلٌ أنَّ العودَ لم يتحطَّم، مرفوعًا على الأكتاف.