في الحادي والثلاثين من تموز، يحتفل الشيوعيون العراقيون، وأصدقائهم من المثقفين والوطنيين، بذكرى انطلاق أول صحيفة سرية للحزب الشيوعي العراقي، وهي مناسبة رافقت تاريخ الحزب ونضاله، وكانت شاهدة حية على تحولات العراق السياسية والاجتماعية والفكرية.
لم تكن صحافة الحزب مجرد أوراق تطبع وتوزع في الخفاء، بل كانت منبرا للنضال، ومنارة للوعي والفكر الحر في زمن القمع والتضليل، كما وصفها لينين ذات يوم.
تأسس الحزب الشيوعي العراقي في 31 آذار 1934، في ظروف بالغة الصعوبة، حيث اجتمع عدد من الشيوعيين الأوائل في بغداد، بعد سنوات من العمل السري في العاصمة ومدن الجنوب. في البداية، حمل التنظيم اسم "لجنة مكافحة الاستعمار والاستثمار"، قبل أن يتحول إلى "الحزب الشيوعي العراقي".
إيمانا بالدور المركزي للإعلام في تشكيل الوعي وتنظيم النضال، أصدر الحزب أول صحيفة سرية له باسم "كفاح الشعب" في 31 تموز 1935، وسط أجواء القمع السلطوي في عهد ياسين الهاشمي، وبعد أسابيع من قمع انتفاضة الفرات الأوسط.
كانت "كفاح الشعب" أول صحيفة سرية في العراق، تحمل شعار "يا عمّال العالم اتحدوا" وتتزين بالمنجل والمطرقة. منذ عددها الأول، رفعت الصحيفة شعارات وطنية تطالب بحكومة برلمانية، وإنهاء الهيمنة البريطانية، وإنصاف العمال والفلاحين، وحقوق المرأة والأقليات، وعلى رأسهم الشعب الكردي.
لم تتوقف مطابع الحزب السرية على الرغم من الملاحقات. فأصدر تباعا صحفا مثل "الشرارة" 1940 و"القاعدة" 1943 و"اتحاد الشعب" 1956، الى جانب جرائد "العمل" و"وحدة النضال" و"النجمة" و"شورش".
كما أصدر صحفاً ناطقة باسم المكونات: "همك" للأرمن، و"آزادي" باللغة الكردية بإشراف فهد وزكي بسيم وملا شريف عثمان، تأكيدا على التعددية التي حملها فكر الحزب.
ومع تواضع الشكل وصغر الحجم وبدائية الطباعة، تميزت هذه الصحف بمحتوى متقدم. كتبها قادة وكوادر الحزب من المثقفين المرتبطين بالناس وهمومهم، فحملت كتاباتهم صدقا ووضوحا في الطرح، وانتزعت ثقة القراء متحدية الرقابة والملاحقة.
بعد انتصار ثورة 14 تموز 1958، أطلق الحزب صحيفة "اتحاد الشعب" علنا، فحققت انتشارا غير مسبوق، إذ بلغ توزيعها اليومي 26 ألف نسخة، ووصل في بعض الأيام إلى 46 ألفا، وهو رقم هائل بمقاييس تلك المرحلة. لكن الصحيفة أُوقفت في آب 1961 بعد تضييقات متزايدة من حكومة عبد الكريم قاسم.
وفي تشرين الثاني من العام نفسه، أطلق الحزب صحيفة "طريق الشعب" التي استمرت حتى عام 1971، قبل أن تعود للصدور رسميا في 1973 بعد اتفاق الجبهة مع البعث، لتتحول إلى واحدة من أبرز الصحف العراقية، وإلى "سليلة كل تلك التجارب النضالية المعمدة بالشهادة"، كما وصفت آنذاك.
وعقب انهيار الجبهة في 1979، توقفت "طريق الشعب" لتعود سرا خارج العراق، وتنتقل لاحقا إلى كردستان، ثم تعود للصدور في بغداد بعد سقوط النظام في 2003، لتكون أول صحيفة توزع علنًا بعد الاحتلال الأميركي.
لم تكن "طريق الشعب" وحدها. فقد صدرت أيضا مجلة "الثقافة الجديدة" و"الطريق الثقافي"، لتواكب الحركة الفكرية والسياسية، وتؤكد أن صحافة الحزب ليست مجرد إعلام حزبي بل مشروع وطني وفكري متكامل.