اخر الاخبار

في العام 1956 كنت طالبا في متوسطة الشطرة. اخذني صديق مرة الى بيت لا اعرفه ..دخلنا ،استقبلنا شاب وسيم فقال له صديقي :

  • اقدملك صديقي قاسم شيخ حسين.. ابوه رجل دين وفلاح من قرية السادة البوهلالة

جلسنا ..وبعد شاي وو  اعطاني جريدة صغيرة الحجم..قرأت العنوان ( اتحاد الشعب)..حذرني ان يراها احد،  وطلب ان اقرأ فيها عمودا كان مكتوبا بلهجة عامية على الفلاحين .. ومنها تعرفت على ثقافة جديدة ..ثقافة الشيوعية ، حتى انني استفسرت عن معنى كلمة قراتها (برولتاريا) لا اعرفها.

ثم صارت الجريدة علنية بعد ثورة 14 تموز 1958 ..توقفت بعدها لسبب ما كنت اعرفه . وكان المصدر الرئيس للحصول عليها في مدينة الشطرة هو مكتبة نعيم العصفوري الذي اضطره العوز الى ان يأتي الى بغداد ويفتح مكتبة في شارع المتنبي ومات عصاميا معدما.

وظهرت جريدة (طريق الشعب) ..والمفارقة انها كانت من بين الصحف الاكثر انتشارا ان لم تكن اوسعها انتشارا، واظن ان احد اسباب ذلك هو العمود الساخر في صفحتها الأولى  بقلم ( ابو كاطع- شمران الياسري)..وكان القرّاء يبدأون اولا بقراءة عموده ،وبينهم من كان يشتري الجريدة بسببه!

والذي زاد من شهرته برنامجه الأذاعي (احجيها بصراحة يبو كاطع)..وخصه الكاتب علي الشوك في مذكراته وكتابه (مثلث متساوي الساقين ).

كنت احرص على اقتناء كل اعداد الجريدة واخزنها في غرفتي بقرية السادة البوهلاله غلى ضفة شط الغرّاف  حيث كنت انشر فيها موضوعات متواضعة، الى ان جاء يوم اوقفت الجريدة وشنت حملة ضد الشيوعيين، فقمت بمساعدة الراحلة زوجة اخي بوضع كل اعداداها في ( تنكه) غلفناها بشكل جيد  وحغرنا حفرة عميقة في بستان النخيل ودفناها..وفي 2025 زرت اهلي وذهبت للمكان فضاع عليّ ولم اجده للأسف.

ومن جميل ما اذكره انني كنت في الستينات مسؤول خط الفلاحين في قضاء الشطرة.وكنت اتنقل بين القرى على دراجتي الحمراء(بايسكل) أعقد في فضاءاتها ندوات واجتماعات حزبية. ومن طرائف ما حصل انني كنت اقرأ المقال الأفتتاحي لجريدة طريق الشعب فصاح مؤذن القرية (الله اكبر الله أكبر) معلنا آذان المغرب ونحن في اجتماع حزبي، فأستأذن مني الفلاح (عذافه):

- رفيق ..ممكن أصلّي؟

التفت نحوي عذافة وقد حمل عباءته ليصلي

- اخذ راحتك رفيق عذافة.. صلّي وراح ننتظرك.

وتحول موضوع اجتماع الخلية الى الشيوعية والدين، فأوضحت لهم ان الحزب يترك لك الحرية في الصوم والصلاة.. واستشهدت بآية من القرآن (ومن شاء منكم فليؤمن ومن شاء فليكفر).. وكنت يومها ما زلت أصلّي وأصوم وأحفظ عددا من سور القرآن عن ظهر قلب.. ضعفت الآن  فيما بقيت حريصا على قراءة (طريق الشعب)  التي اتمنى لها البقاء على مجدها بوصفها الصحيفة الأولى عراقيا!