اخر الاخبار

كثيرا ما تحدثوا عن البصرة ونخيلها وأنهارها وعن تراثها. قوافل من المبدعين خرجت منها منذ تأسيسها قبل أربعة عشر قرناً ونيّف.. 

وفي حوار موجز مع القامة الشعرية كاظم الحجاج.. سألناه:

 كيف بدأ الحس الوطني لديكم، وما هي غاية الانتماء إلى الحركات الوطنية؟

 - في فترة ما قبل ثورة 1958 كنا شباباً وكان وعيُنا فطري أولي، كما ان هناك حقائق اثبتت صحتها، في إحدى الأيام صرّح وزير خارجية أمريكا وهو يخاطب المملكة العربية السعودية قائلاً لهم:ـ (احيوا الوهابية للوقوف بوجه الشيوعية)، في تلك المرحلة أسست أحزاب قومية ودينية لم استطع أن احددها كونها لا تزال موجودة في وقتنا الحاضر، وجعلها كسد بوجه الشيوعية أو ضد التقدمية .

إن الفكر الاشتراكي تأسس في أوربا على يد علماء كبار أمثال ( ماركس وانجلز ولينين)، وكانوا على وعي متقدم أكثر منا، نحن كشباب عندما قرأناهم وجدنا افكارهم تناسب أفكارنا وتطلعاتنا .

 هل كانت أهدافكم هي تحقيق العدالة الاجتماعية والوقوف مع حكومة 1958 بقيادية الزعيم عبد الكريم قاسم ؟

- في بداية حياتنا كنا نحب الملك ( الصغير) بعدها عرفنا بان الملك ليس عراقياً وانما تم تعيينه من قبل الإنكليز ملكاً على العراق، نتج عن ذلك حقيقة الانتماء إلى العراق، وبدأ يتنامى الحس الوطني الاساس، شعرنا بوجود أحزاب شيوعية في كل بلدان العالم البعيدة مثل أوربا وروسيا أو إنكلترا، أدركنا بالانتماء الغريزي إلى الشيوعية بدون دافع الأشخاص أو نلتقي بأشخاص يدفعوننا للانتماء .

 هل كان للرموز والثورات التي ظهرت في العالم تأثير على انتمائكم وتوجهكم نحو الحس الوطني كالثورة الروسية أو الكوبية مثلاً ؟

- حصلت حادثة بين محلة الفيصلية ــ سميّت بعد ثورة 1958 الجمهورية ــ سنة 1952 مع شرطة شركة نفط البصرة، في تلك الفترة حصل إضراب عمال النفط ضد الإنكليز، طورد المتظاهرون من قبل الشرطة، فكانت نساء المحلّة يرمين الشرطة بالحجر، أدركنا بان هجوم الشرطة كأنه على مدينتنا وكأن هناك عدو داخلي، لا نعرف ما هي الأسباب، هذا كان جزء من الإدراك والحس بالانتماء إلى الوطن والى الحركات والأحزاب الوطنية، هذه الأفكار بدأت تنمو وتكبر لدينا، كان العراق أولا، في تلك الفترة زاد اهتمامنا بالقراءة، كنا نأخذ الكتب من مكتبة المدرسة، كنا نستعير الكتب والمجلات من المكتبة، في سنة 1959 كان سعدي يوسف مشرفا عليها، كذلك نستعير الكتب من الأصدقاء، اغلبنا من الفقراء، اروي حادثة عن أستاذ صاحب معلم مادة الإنكليزي الذي كان يعمل الفطور في بيتهم ويجلبه إلى الطلبة الفقراء بحجّة تعليمهم درس الإنكليزي حيث كان يخاطبهم لفظاً وكلمات تعليمية طالباً تأديتها عملياً .

 قراءتك للشارع هل يعود إلى عهده السابق بامتلاكه الروح الوطنية ؟

- من الأمور الصعبة، لكن لا يوجد شيء مستحيل، نحن في الداخل صحيح أصابنا الوهن والضعف لكن لم ننكسر ولم نركع لسلطة النظام آنذاك، وبسبب خروج وتهجير الكثير والملاحقة بالقتل لعدد غير قليل من كبار المثقفين، نحن ولدنا ونحمل هم الناس ومن طفولتنا كنا نميز الخائن والوطني والعميل والقومي الكاذب، كل مفردة من هذه المفردات تحمل مفهوماً.

 المدارس التي درست فيها والكلية التي تخرجت منها، ومتى تبلور لديك وعي كتابة الشعر ومتى نشرت أولى قصائدك؟

-  أنا من مواليد 1942 مدرستي الأولى كانت احدى مدارس ( الرباط ) بعدها في مدرسة الفيصلية ومن زملائي فيصل لعيبي وصلاح جياد كنا نقرأ سوية، صحيح نحن في محلة صغيرة لكن لم نكن معزولين عن العالم، البصرة مدينة ثقافة ووعي، كان انتماؤنا وطنياً فطرياً ما كان لدينا انتماء آخر إلى بلد آخر أو قومية أو ديانة أخرى .

بداياتي في الشعر مع القصيدة العمودية وأنا في المرحلة المتوسطة ، احد أصدقائي عرض إحدى قصائدي على سعدي يوسف الذي كان يدرّس في مدرستنا فأشّر على سبعة أبيات من أصل تسعة قائلاً له هذه صحيحة، فكانت بالنسبة لي شيئاً كبيراً، واستمرت علاقتي بسعدي منذ ذلك الحين فاخذ ينشر لي في جريدة "اتحاد الشعب" ومن ثم "طريق الشعب" عندما كان يعمل بهما، بعدها دخلت كلية الشريعة في سنتها الأولى في جامعة بغداد بعد أن كانت أهلية، وكثيرون كانوا معي منهم (موفق محمد ، حاتم الصكر ، صباح ياسين.

 كيف ترى الشعر اليوم، وكيف ترى قصيدة النثر ؟ 

-  أنا أرى الشعر في الغرض الوطني أكثر من أي شعر آخر سواء قبل الإسلام أو عندما جاء  الإسلام  لأغراض أخرى مثل الشعر الديني ( الموشحات ) وبظهور شعر التفعيلة؛ أنقذ الشعر بدلاً من موته لان الشعر العمودي قد استهلك تماماً، وكتبت العمودي في بداياتي، بعدها كتبت قصيدة التفعيلة لمقبوليتها لانها تمتلك الوزن والقافية والموسيقى ، علما ان القافية فيها إجبارية وهي عبارة تكرار الكلمة والحروف نفسها بالنسبة لي أصبحت ( ممجوجة ) أي صاحَبها  شيء من الروتين، جرّبت كتابة قصيدة النثر، حيث أن قصيدة النثر في نظري ليست حركة تقدمية في الشعر كانت دوافعها التنويع فقط، يوجد بعض الشعراء ليس لديهم فكر، اتجهوا لقصيدة النثر ربما هي اقرب إلى إمكاناتهم الشعرية.

 هل حقّقت قصيدة النثر غايتها كمرحلة ووصلت إلى المتلقّي كما يرغب بتناوله ؟

- كتبت قصيدة العمود ليس أكثر من ثلاث أو أربع قصائد واحدة منها فازت في مهرجان الكلية التي تمثل ( مجدي) آنذاك وكانت لجنة التحكيم تتألف من ( شاذل طاقة وعاتكة الخزرجي وشفيق الكمالي )، لكنني لم أكمل مسيرتي في كتابة قصيدة العمود لإحساسي بأنه استهلك، وكما قلت الشعر يمثل لي حالة وطنية في داخلي، وان إدراكنا بان العمودي استخدم للمديح،  وبعد فترة طويلة وعبر مئات من السنين مروراً بالعصور (الجاهلي والأموي والعباسي) إلى أن وصلتنا قصيدة النثر حاليا والتي لم تخضع إلى قواعد الشعر مثل الوزن والقافية، وكذلك التغيير الذي حصل في العالم انعكس علينا أيضا كتجربة شعرية، التغيير لابد منه كحتمية تاريخية حتى في الشعر والآداب بصورة عامة لما تحملها المرحلة، أنا فخور حينما ينال طلبة شهادات الماجستير أو الدكتوراه من خلال قصائدي.

ومعلوم ان الحجاج كان رسّاماً ونال جائزتين وكاتب للقصة القصيرة ومحرّرا للصحف والمجلات والنشرات الداخلية حينما كان طالباً، لديه موهبة التمثيل في المناسبات، ولاعبا مع فريق المدرسة والمحلّة  لكرة القدم ،

 كاظم الحجاج سبق وان اعتقل ثلاث مرات كانت  واحدة  في  زمن عبد الكريم قاسم والأخرى  في زمن الحرس القومي والثالثة  في زمن عبد السلام محمد عارف، ليس نادما على شيء مر به رغم قساوة الأيام، فان جذوره سومرية مغروسة في باطن الأرض قريبة إلى جذور النخيل قريبة من أدوات الزراعة والتراث والحكايات.