اخر الاخبار

صدرت نداءات التجمع ظهرا. تجمعنا تحت إمرة “الرجل الرائع”. جرى في كل مطبخ إنتزاع “الدليل” من الحيطان. تبين عند التفتيش بأن “عُدتنا” على وفق النظام وأننا جاهزون ﻟﻟــ “تنفيذ”. كنا نتحرق شوقا، وقد تدربنا جيدا وتجهزنا جيدا وحظينا بقيادة جيدة، الى “اليوم الكبير”. سرنا، سرية سرية، على شكل رتل مفرد، خلال “الغابة”، ملازمين دائما أسفل “الجبل”، وملتقين أخيرا عند “الأرض مقطوعة الشجر” حيث يستلقي المارد مستغرقا في النوم. مددنا “حبالنا” و أخرجنا “أوتادنا” من دون أية كلمة، لأننا نعرف ما يتوجب عمله، ، وكُلفت سرية ﺒـ “الرأس” فيما كُلفت أخرى ﺒـ “الأكتاف” وهكذا وصولا الى القدمين. كُلفت سريتنا بالقدم اليسرى والكاحل. تنفس العملاق بعمق وثبات وصدره يرتفع وينخفض مثل جبل عال فوقنا. كان الهواء، بينما نحن نشرع بالعمل، ثقيلا بأنفاسه.

تقدم العمل بسرعة. جرى “فرز” بعضنا وأُمروا بالتسلق الى الصدر جاذبين “الحبال”، ومن ثم رميها للذين ينتظرونها في الجانب الآخر، وتم فرز آخرين ليشعلوا نيرانا للحام الأغلال، وآخرين ليجعلوا رؤوس الأوتاد حادة، وآخرين  ﻟـ “مطبخ الميدان”. عملنا للمدة التي تتطلبها المهمة فلا مجال للراحة أو التأجيل، وحالما اكتملت أعدنا “تشكيلنا”، و “سددنا السلاح”. عمَّنا شعور بالإرتياح عظيم فلم نعد عبيدا للمارد، ولم نعد مساقين برغبات لا يمكن إشباعها، بالأحلام والفنطازيات المستحيلة، سنكون أخيرا أحرارا لنكون أنفسنا، وقد تم مسبقا التخطيط للإحتفالات. رفعت “الأمهات” الرايات فيما نجر النجارون “الدواليب”، وفي الأشجار أخفيت “الفوانيس” بانتظار أن تعود الحياة الى العالم. في مطابخ البلدية تمت تهيئة “الديك” ليشوى و “السمكة” لتقلى، وكانت الحلوى تُخرج من الأقبية، حيث تم إبقاؤها باردة خلال سني عبوديتنا.

لكن فجأة، تنحنح المارد، وتوقف عن التنفس أنفاسه المنتظمة العميقة. إزداد الجو هدوءه، ووُجه أمراً لكل من كان يعمل عليه أن ينسحب. فتح عينيه على سعتهما وحاول أن يتحرك ولكنه وجد أنه لا يستطيع. بلغت قلوبنا الحناجر. التفت المارد الى جهة ثم التفت الى الجهة الأخرى. من كان منا في الجهة اليسرى رأى عينه اليسرى مفتوحة، على وسعها، ينظر الينا مليا، ثم وببطء، انتصب ونفض عنه أغلاله، وعمَّنا شعور بالإرتياح هائل كما لو أننا كنا ننتظر أن يفعل هذا بالضبط، وكأن المؤامرة وتنفيذها لم تكن سوى، تمثيلية حزورات، أو طقسا لم نعد نملك مفتاحه، وهكذا أصبحنا من جديد عبيدا للمارد، وكان ارتياحنا، وأكاد أقول سعادتنا، ملموسة للجميع.

*مصدر القصة Heart’s Wings & other stories

GABRIEL JOSIPOVICI* ولد سنة 1940 في باريس لأب روسي-ايطالي وأم رومانية مشرقية. عاش في مصر للفترة 1945-1956 . أستاذ جامعي في بريطانيا حتى 1998. لديه ثلاث مجاميع قصصية و أكثر من اثنتي عشرة رواية، وفي 2001 نشر سيرة أمه الشاعرة ساشا رابينوفيتش