اخر الاخبار

وصف كارل ماركس رأس المال بأنه " تراكم هائل للسلع" مثل "مصاص الدماء يعيش فقط بمص دم العمل الحي"، وقد ذكرت هذا الوصف إيميلي هورتن في كتابها (القوطية البريطانية في القرن الحادي والعشرين)، وروبيرت تالي جونيور في (أدب الخوف القصصي)، وكلاهما لاحظا كيف أن الوحوش القوطية الإيقونية مثل دراكولا وفرانكشتاين قد تحولت الى أشكال جديدة من الزومبيات ومصاصي الدماء في أدب الرعب الحديث. يشير تالي الى أن " مرحلة العولمة.. في وحشيتها وتراكميتها تخلق مرحلة ديستوبية من الوحوش".

يركز كتاب هورتن على المظاهر القوطية في الروايات البريطانية والخيال القصصي المطبوع خلال السنوات الأربع والعشرين الماضية، فيما تظهر القوطية، كما تذكرنا المؤلفة، سياسية دائما في تحولاتها فيما بعد 2020 بحيث أنها تؤكد بنماذجها أن لهذا النوع الادبي " أهمية جوهرية كنمط معاصر للنقد الإجتما-سياسي". لهذا فإن تطوره المسجل منذ " قوطية ما بعد 11 أيلول" بكتاب بات باركر (رؤية مزدوجة) 2003  الذي تخيم عليه معاناة الكارثة، و روايات بات مكغراث القصيرة عن التاريخ الأميركي (مدينة أشباح) 2005 ، الى " قوطية وبائية" تتميز بالمخاوف من الفايروسات والمستنسخين والتلوث في كتابات كازوو إيشيغورا و م. ر. كاري، وأخيرا " قوطية ندية" بمجموعة ديزي جونسن الخارقة للطبيعة (فين) 2016 من مصاصات الدماء والمتحولات والمخلوقات البحرية، والكتاب الجزري والفضائي (فولك) 2018 لزوي جيلبيرت، وكتاب الرعب البحري (زوجاتنا تحت البحر) 2022 لجوليا آرمفيلد.

يستقصي في هذه الأثناء فصل هورتن (القوطية التحررية) قصصا ترتكز على الجنوب الأسيوي والشرق الأوسط والمجتمعات العربية والإسلامية التي شكلت " هدفا للسرديات التهديدية الغربية بعد 9 أيلول" وتحلل تحليلا ناجحا رواية تاش أو (مصنع الحرير الايقاعي) 2005 التي تدور أحداثها في ماليزيا المحكومة بريطانيا في الأربعينيات من القرن الماضي، وبورتريه نديم اسلام لأفغانستان المعاصرة ( عشية العيد المضيعة) 2008 . إن الإرث البريطاني الأدبي للقوطية والماضي الاستعماري للبلد يجتمعان بقوة في كتاب هيلين أويمي (الأبيض للسحر) 2009 الذي تدور أحداثه في دوفر في القرن الحالي. إن حكاية مصاص الدماء هذه تحول (دراكولا) ستوكر لمواجهة مسائل العنصرية ورهاب الأجانب من خلال أفعال الشخصية الحساسة الشريرة، أما بخصوص (الخروج البريطاني القوطي من الاتحاد الأوربي) فتتناول خطابات قوطية رئيسية لشيطنة مهاجرين رومانيين.

يصف تالي في (أدب الخوف القصصي) صعود السرديات الكوارثية في الثقافة الشعبية خلال العقود الماضية، و " كنوع من التتمة" فإن المؤلف نفسه في (اليوتوبيا في عصر العولمة) 2013 يستكشف " ما يبدو شكلا من التحول المرحلي من الطوباوية المهيمنة الى كوارثية ما بعد الحداثة" رابطا إياه بأحوال القلق العالمي الحالية وهو يقول :" لا يبدو فقط أن هناك مخزونا من الوحوش غير محدود لتهديدنا في لحظتنا الحالية بل أن التراكم للأشياء المخيفة يتصاعد بوتيرة منذرة".

يبدأ تالي بمسح تاريخي لقرن من أدب الكوارث بادئا من رواية إفغيني زامياتين (نحن) 1921 عن سقوط اليوتوبيا المتعية مارا ﺒـ(عالم جديد شجاع) 1932 لألدوس هكسلي، والنظام الإستبدادي في (1984) لجورج أرويل وصولا الى التفاؤلية القلقة ما بعد الحرب الباردة. يضع تالي فنطازيا نيل جيمان السوداء في (آلهة أميركية) 2001 إزاء خلفية التجارة الحرة الموعودة لأميركا الشمالية، وبآلهته التحت أرضية المهاجرة يمسرح كتاب جيمان حالات القلق في الولايات المتحدة.

ربما تبلغ هذه المقالة ذروتها عندما تصل الى الوحوش في شكلهم المعاصر فتأخذ القراء في جولة بين البعابع الحقيقيين والمجازيين للأربعين سنة الماضية، معاينا المهرجين الأشرار لأفلام الرعب وروايات ستيفن كنغ مثل (هي) في حقبة الرئيس ريغان حيث يلاحظ تالي بأن " مفترسا وحشيا من عالم آخر يتجسد بشكل مهرج راقص لفترة حاكم يبدو " مؤنسا وديعا محبوبا"، ويؤكد بأنه مؤخرا يرسم فيلم الإثارة (قطار الى بوسان) 2016 و (آخرنا) 2023 أمواتا زومبيين كمعارضة بروليتارية لطبقات مصاصي الدماء الرأسمالية ويقول :" هذه الوحوش التقليدية يمكن أن تتخذ أشكالا جديدة، وتبقى رسالاتها ملحة كما هي دائما".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

21st century british gothic, Emily Horton.

The fiction of dead, Robert Tally.    

*الادب القوطي/ ادب يتناول الجوانب المظلمة والتي تثير الفوبيا لدى المتلقي وقد انتشر في القرن 18 في اوربا.

عرض مقالات: