اخر الاخبار

في حياتنا الثقافية الكثير من الظواهر السلبية، التي تنمو وتكرر وتزداد شراسة وهيمنة وقسوة على الاخرين . وسنحاول في هذا الميدان؛ رصد عدد من هذه الظواهر ونشرها بين وقت واخر , وذلك بهدف الوصول الى حلها من قبل الأشخاص او الدوائر والمؤسسات او الدعوة للعمل على اصدار قوانين وقرارات تحول دون تفشيها وذلك لما تلحقه من اضرار للفرد والمجتمع على حد سواء. وفي مقدمة هذه الظواهر؛ اعتقاد مطلق من قبل عدد كبير من المدراء العامين , او حتى من رؤساء اقسام , بأنهم يتفردون عن سواهم بعبقرياتهم وتجاربهم وشهادتهم وشهرتهم عن غيرهم من خلق الله. ولانهم (استثناءات) نادرة فقد تم انتقاؤهم واختيارهم و (اقناعهم) بتولي وظيفة (مدير عام) او معاونه او رئيس قسم في دائرة ما .. الا ان اشغال مقاعد هذه الوظائف، سواء كان في الدوائر او المؤسسات الثقافية او الجامعية او التربوية او سواها ؛ لايتم ابدا عن طريق دقة وحسن الانتقاء، وانما لان الامر يعود الى جملة اعتبارات من بينها.. الولاء لهذه الجهة السياسية او تلك او هذا المسؤول او ذاك.. في حين يفترض انتقاء الأفضل والأكثر كفاءة ودراية وخبرة.. فمن شأن هذا الاختيار الصحيح ان يحقق للمسؤول الأعلى النجاح والتوفيق والتطور البناء في العمل، اما اذا ما تم اختيار العنصر الذي لا يمت بصلة ولا معرفة بابجديات العمل المناط به؛ فأن من شأنه ان يلحق الضرر والفشل بمن اختاره ..

وفي احسن الأحوال سوف لن يكون عنصر نجاح في عطاء المسؤول الأعلى، ذلك ان الأدنى وظيفيا هو الذي يرسخ قاعدة ونجاح والق وجود المسؤول الأول .

الا ان ما نراه اليوم على العكس من ذلك تماما.. فالمدير العام في دائرة ثقافية ما قد نجده عنصرا فاشلا في عطائه ومنجزه الثقافي الغائب أصلا، الى جانب ذلك يجهل الوسط الثقافي في حضوره، فكيف يتولى أمور المثقفين وهو يجهلهم ويجهل قضاياهم مثلما يجهل الشأن الثقافي.. وكيف يسهم في تطوير دائرة ثقافية يتولى امرها , فيما لا قدرة له على إدارة عائلته او إدارة مدرسة ابتدائية؟ هنا نجد هذا المسؤول، يستعين بسكرتيرته او مدير مكتبه وهما الأكثر جهلا منه في إدارة الدائرة.. وبغية التخلص من المسؤولية؛ نجد المدير العام يكتب على أي كتاب رسمي يفترض ان يوقعه عبارة: (لا مانع لدينا وحسب الضوابط) او (موافق وحسب التوجيهات والتعليمات) او (موافق مع اتخاذ الإجراءات القانونية والاصولية) وهذا يعني انه لا يمتلك القدرة على اتخاذ القرار الحاسم، لانه يجهل مثل هذا القرار أصلا والذي يفترض ان يحدد موقفه من محتواه. كما ان مثل هذا المدير العام او سواه ممن يتولى مسؤولية اكبر من حجمه، يسعى لبسط نفوذه عن طريق ضبط الدوام والتوقيع على الدخول والخروج وكل متجاوز على الزمن الوظيفي حتى لو كان لدقائق، سيعاقب إداريا حتى لو كان التأخير لاسباب مرضية او عرضية.. حتى اذا انتهى هذا الامر القسري للدوام؛ فأن هذا المدير العام لا يجد ما يفعله، لا هو ولا أي موظف في دائرته لانه لا يعرف ما يفعل وما عليه ان يؤديه وظيفيا وينصرف الى تجاهل مراجعيه بحجة ان المدير لديه اجتماع او لديه معاملات تتطلب الإنجاز في حين لا يوجد لمثل هذه الدائرة من يراجعها لانها في الغالب تكون دائرة مزدحمة بالفراغ ولا جدوى من وجودها أصلا بدءا من مديرها الى اصغر موظف فيها وليست بنا حاجة اليها ولا وحراسها وبنايتها.. لذلك نجد ان الموظف الذي يلتزم بالدوام يعاني من فراغ قاتل لذلك لا يجد امامه سوى جهاز الموبايل يبدد عنه وحشة الفراغ الهائل المحيط به وبدائرته وهو الامر الذي يجعل الزمن المهدور مدفوع الثمن لموظفين يتناولون رواتبهم دون عمل. في حين يفترض بالقائمين على إدارة الثقافة على وجه الخصوص الحرص على تعاون وتفاعل الموظفين مع مديرهم العام و احترامهم للزمن بوصفه عاملا حضاريا لاحترام العمل. في حين لو كانت هناك خيارات سليمة في ملء كرسي المدير العام او رئيس القسم بكفاءة وخبرة فأن الامر سيختلف تماما. ان الإدارة ـ أي إدارة ـ تسعى الى تنظيم العمل وتفعيل دور كل موظف.. فهذا شأن ثقافي ومعرفي لا يطاله الا من كان حكيما وبارعا في اداء عمله بحيث يتقن تسييس الامور بما يخدم نجاح وتفوق عمل الدائرة ولا يتقاطع ابدا مع جميع العاملين في الدائرة، فالجميع يفترض ان يكون سعيهم فاعلا ومشتركا ولا يقتصر على فرد او افراد يعاملهم المدير العام بتمييز خاص عن سواهم ؛ اما المدير المفرغ من المحتوى فهو الذي يعمل على تفرقة العاملين في دائرته. ان الثقة بالاخر لا تكفي وحدها وانما اقتران هذه الثقة بما يمتلكه الاخر من وعي ودراية وتحمل المسؤولية المناطة به .

كما ان السبب الأهم في فشل العديد من الدوائر؛ يكمن في اغفال شأن العاملين و التفرد بعدد محدود من موظفي الدائرة وترك من له الخبرة او نقله خارج اختصاصه والذي لا يعرف تفاصيل العمل فيه .

ومثل هذه الدوائر لا يمكن وصفها الا حجارة صماء، جامدة وساكنة تعاني من الكسل والإحباط لانها لم تأخذ الدور الذي يفترض ان تتولى امره.. فالمدير العام يعد نفسه امبراطور هذه الدائرة مستفيدا من المخصصات والموقع الوظيفي والزمان والمكان الذي وضع فيهما في حين يفترض ان تكون ثقافة المدير العام وحسن ادارته، لا تظهر في قسرية القرارات ومزاجية التصرف الذي يتخذه إزاء هذا الموظف او ذاك وانما شعور العاملين والجمهور الذي له تماس بهذه الدائرة بحيث يرى ان المدير العام هو من يكون الأكثر حرصا على ضبط الأمور والعمل المثمر ليس لنفسه وانما جعل كل العاملين في خدمة دائرة يراد ان تقدم ثمارها المرجوة والمناطة بها .