اخر الاخبار

كنا معاً، يجمعنا المكان الضيق، وتلفنا العتمة، والصمت كذلك، تقاسمنا ذات الشوق، وقررنا ترميم أوجاعنا المشتركة. كان الصمت لغتنا التي تبددت مع أول لمسة، جاءت معها ابتسامتين حائرتين، تشكلتا سريعاً فوق شفاهنا المندهشة، تحت سقف خيباتِنا التي تجمعت فجأة. تذكرتُ ما قاله صديقي الأقرب:

ـ نحن لا نشبه أولئك الغارقين بالكذب، نحن تمسك بنا الحياة من كل جانب، ونرمم ابداً ما هدمته الايام..

أرخيت جسدي، وتركتهُ يذوب على المقعد الوثير، وأهملتُ الوجع لبعض الوقت، فيما قبلة أتتني يحملها الهواء المشبع بإنفاسنا نحن الاثنين، تصرفت بتفاهة ورحت أثرثر كأي كائن مسخ حائر لا يعرف كيف يتصرف.. نادت بي:

ـ أيها الفيلسوف أكادُ اجزمُ انك على غير ما يرام !

عدت ببطء إلى ما قالهُ صديقي. هذيان من المراجعة والتذكر.. لقد قالها ذات مرة:

ـ أنت.. لا تُمسِكُ بك الرغبة بقدر ما تُمسِكُكَ الانسانية بكل اطرافها، بل أنت تشبه المطر كثيراً، تساعد على اخضرار الروح، وتنمو معك الكثير من الامنيات الجميلة.. رَدّد مع نفسك ( أنا الجدوى التي لطالما افتقدها الآخرون )

هتفت بيَّ:

ـ أنت.. تشبه كثيراً تجربة مغرية، بل أنت تجربة لا تتكرر.

سألتها بخجل:

ـ هل صحيح أنا جدوى لذلك الفَقد الذي يغتال أحلام البعض ؟

أجابتني بمرح:

ـ أنت.. تفكر كثيرا، فكلما فكرتَ عاودتَ التفكير من جديد، تتدفق كالروح المسالمة، وتترتب بلا عناء، هوايتك المفضلة تكمن بالعودة إلى الحياة، تثيرني كثيراً تلك الهواية المتراكمة في أعماقك، وتصرُ على اختراقي من دون استئذان، وأقولها لك.. لا تستأذن.. اخترقني كما أنت معبء بالحياة.

ألحت عليَّ رغبتي في النظر إلى وجهها، لقد كنتُ منهمكاً أطالع العتمة وأنصتُ إلى صوتِ الصمت، قلتُ:

ـ هل لي ببعض الضوء ؟

انسابت يدها النحيلة نحو مصباح صغير شعَ نوره مبهراً، ومعه تأججت مشاعر مغايرة لما كنا عليه، تواطئنا مع الحقيقة وإننا معا، يجمعنا الواقع على مائدته الرشيقة، واقتربنا أكثر وأكثر. هتفت بي:

ـ لنشرب نخب الجنون !

شعرت بحاجة ملحة لصديقي، فهو كالطبيب يشخص الأوجاع بسرعة.. فانا اشعر بوجع يخيفني.. قلت:

ـ هل تعلمين.. أنا أخاف من النساء، ولا اعلم لماذا يتبدد الخوف هذا أمامك ؟

ردت بسرعة:

ـ الضعف يكمن في اللا ثقة، وأنت من أدهشني بمبادئ الثقة المطلقة، وإلا كيف لي أن أكون معك ؟ وكيف لي تقبلك في هذا الليل الذي تتوهج فيه هشاشتنا كضعيفين..

أسرعتُ أفكر بصديقي.. ارسم ملامحه التي تهدهد روحي القلقة، ويظهر شبحه الوديع أمامي، حاولت سؤاله عما يجري، لكنه أمرني بالصمت، أعدتُ المحاولة من جديد.. وجاء رد فعله مماثلا لم يتغير، وكأنه يقول لي.. اصرف نظرك عن أي شيء.. واستلهم معنى اللحظة.

عرض مقالات: