اخر الاخبار

بعد روايته البِكْر "قصدها يوما" يطلّ الروائي  حسام آل زوين برواية جديدة هي "المتألم المتأمل"* تشكّل شبه خلاصة لواقع ما قبل وما بعد الحرب على العراق وتكالب دول الرأسمال العالمي ولغز المخطط الاستعماري لنهب خيرات البلاد فضلاً عما تمخض غزو العراق من واقع جديد طرح إشكالية دعوة أصحاب الكفاءات من أساتذة ومهندسين وأطباء وعلماء باحثين في شتى مجالات الحياة والتطبيقات المعرفية الحديثة، دعوة خالصة لشمول المغتربين بتشريفهم للعودة إلى العراق بعد زوال أبشع حكم دكتاتوري طال العديد من المناضلين الذائدين عن كرامة البلاد. اشتغل الكاتب على آلية سردية تحفز لدى القارئ شعور الانتقال من مشهد إلى آخر بقصدية فنيّة ليست بالتخيلية بقدر ما لامست الواقع الحي المُعاش، كما عمد الكاتب لاستيلاد نمط جديد من السرد الروائي عابرا للتجريب لخلخلة الجاهز من السرد البعيد عن الوعي بكل ما تعرض له مبدأ صراع الطبقات وبشاعة المحاولات البائسة لتمييع دور الطبقة العاملة على مستوى صيرورتها التاريخية في قيادة المجتمع. لقد اختصر كاتب رواية  " المتألّم المتأمّل"* كل الرواية بمسلّمتين لغويتين متلاعبا بحروفهما بفنية عالية، وكأنه يحضّر لولادة توأم يحمل متساوقين لفظيين: الألم، الأمل. توريَة مذهّبة بضوء الحقيقة التي لابد منها وإن تأخرت.

وطنه، مدينته، بيته – حلم المدينة الفاضلة “.. تنتفي فيها الشـرور، الآثام، الجرائم لا فساد ولا ظلم، لا قتل ولا عـدوان، سكنتها اناسٌ طيبـون يعيشـون في سلام ووئام لا يعرفـون غـلّا ولا حسـد."   عاشها بحذافيرها، بأزقة البيوتات المطلّة والحانية على بعضها البعض، بطيبها وعطر ماضيها، جامعاُ كل معاناة شغيلة اليد والفكر، معاندا منتصرا على كل ما يعترضه من مصاعب تعذّر على قدره النيل من روحه العنود على الحق، فراح يفترس جسده جزءً جزءً...!

قلة من الروايات السردية تجمع ما بين الواقع المؤلم وأسلوب المذكرات والمزج ما بين قادة الحزب (سلام عادل) وروح كاتب الرواية "عادل"، سيما التقارب الانتمائي والروحي المركب.

عمدتُ مستفزا ًالست القائل - لم يعـد ذلك الصباح يزهو بأغاني فيروز ويبهج النفوس وتصغي لها الاذان-؟

فما كان منه إلّا وصوّب لي تزاحم متاعبي الجسدية واستفزازي البريء له، في أنه باقٍ على العهد ولن يتخلى عن حلم جمهوريته... ومما عزز من رأيه في بشارة الضوء، تعقيبه، كوننا ما نزال معاً...

وما يزال " عادل" على الرغم من آلامه المبرحة ساندا جراحاته بيديه متأمـلاً عنيداً لا يأبه بما فعلت به الغربة وسنواتها العجاف، تحلو له طيور النورس المرفرفة الأجنحة على ضفتي الفـرات وتراقص شموع النذور والامنيات عند الغروب ... ومثله دجلة عند مدخل المتنبي حيث تجمعه سنوات الدراسة وحماس الطلـبة، فيما يتسللون فـرادا تجنبا لعيون العسس، يتيهـون بين كتب المعرفة والعلم والآداب والفنـون.

هنيئاً للقارئ الحصيف مواصلة شم عبق هذه الوردة التي ما تخلى عنها شذى عبيرها. 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*- الرواية من اصدار مطبعة الرفاه- بغداد 2025