اخر الاخبار

أدهشتني العتبة الأولى لهذه السردية وهو العنوان الذي يراه رولان بارت هو نص موازي ويفتح إمكانية  التأويل منذ البداية فهو عتبة أولى نصية مهمة، فالروائية منى سعيد ترى أن الحمام تعرض لكدمات طويلة ومؤذية، ذلك أن هذا الطير يعد طيرًا دالًا على السلام ، وهي تحلم بعالمٍ يسوده الأمن والأمان.

بدأت الرواية بعبارة لبابلو نيرودا" ها أنا في حوزتي ندى إلى الناس جميعًا".. وهي تشي بحلمها أن يسود العالم الندى الناعم الرطب لا الشوك والعقارب والقنابل.

وهكذا استأنفت عالمها الجديد في محن السرد الروائي كثير العدد اليوم قليل العطاء بسبب كثرة النتاج وضعف النقد الصادق وغياب القراء وأخص الشباب بسبب الهجمة الالكترونية الحديثة.

استهلت السرد برسم ذاك البيت الكبير العتيق المفتوح على عوالم الغرف والحوش والساقية والبط والأشجار وكلاب الحراسة وزريبة الحيوانات والداخل والخارج بهيبة، قبل أن نرى قصورًا تتشظى إلى عدة بيوتٍ بمساحة خمسين مترًا مربعًا ليمحو جمال المدينة و العاصمة بموت بريقها العتيق، النوستالجيا التي تتسيد الذاكرة العطنة بالحديث المشوه.

ذاك البيت وتلك الأم الحنونة التي فقدت صالح بالغرق واستقبلت أخيه سلمان وهو في أنفاسه الأخيرة مستسلمًا لمرض السل المنتشر أيام زمان. صالح الذي غادر أمه لوحدها مع ولديه محمود وحامد.

وسلمان المرفوض من العائلة مضطراً لعدم استشارتهم بزواجه من غريبة ويعد هذا خرقًا للعادات آنذاك.

هكذا دخلت سليمة بنت سلمان البيت العتيق لتكون لها حصة مهمة في عالم هذه السردية، فجعلتها الروائية فوضوية مقرفة لا تدرك شيئًا من العادات والطباع السائدة في ذاك الزمان، لتتبناها زمردة زوجة محمود وبتوجيه من أم البيت سليمة، هذا الاسم الذي تسور عقل سلمان بسبب فقدانه لوالدته فحمّل ابنته هذا الاسم الكبير لديه.

لتتزوج من حامد وليبتلي بشبقها الجنسي المبالغ به ويستسلم لكل أمراضها وتصرفاتها.

ثم تسرد الروائية ما حصل للأولاد والأحفاد مرورًا بعدة عصور ومنتهية لما حصل بعد 2003 من عنف ديني متطرف، تبين في ممارسات القاعدة وداعش التكفيريين ناسية تنظيمات أخرى من الطائفة الاخرى سلكت ذات السلوك.

كانت القدرة البديعة للرواية تتميز بصياغة الجمل بكلماتٍ عطرة وكأنها سلاسل من أحجار الماس والزمرد وبعطور أيام زمان تلك العطور الطبيعية خالية من عبث المصانع، سطور محمّلة بروائع التشبيه البلاغي  وبقدرة هائلة بصياغة الجمل الطويلة التي قد يصعب على الآخر بناءها. سرد يجعلك تعيش الجمل الشعرية بمرادفات وكلمات قد لا تخطر بسهولة على الذاكرة وحتى الناشطة.

مرت الرواية بأحداثها على قصص وسرديات عاشها الجميع وكتب عنها الكثير الى جانب انحيازها وانتمائها أو ولائها الفكري للحزب الشيوعي العراقي، الحزب الذي اعتمد خطاباً لم يكن مألوفاً آنذاك حاملاً العقيدة الماركسية والمادية الديالكتيكية ومتوجهاً نحو القضاء على فائض القيمة ونشر العدل في هذا الكوكب وكأنه تناص مع فكرة المسيح.

عرض مقالات: