بمناسبة الذكرى الحادية والتسعين لتأسيسه، وسيراً على ما إعتاد عليه، أقام الحزب الشيوعي العراقي معرضاً شاملاً للفن التشكيلي العراقي المعاصر، شارك فيه أكثر من (54) فناناً وفنانة من بغداد ومحافظات الوطن، بأعمال مختلفة الأجناس تجاوزت (70) عملاً توزعت بين (الرسم والنحت والخزف)، كانت سيادة الرسم واضحة من خلال عدد المشاركين واللوحات الرسومية التي تجاوزت (40) لوحة. وإن ما يميز معرض هذه الذكرى هو الإعتماد على الدعوات الخاصة للتجارب الإحترافية للفنانين العراقيين المغتربين ومن داخل الوطن، فضلاً عن بعض الفنانين العالميين وتجاوز مشاركات الهواة، وقد شارك البعض بأكثر من عمل فني على مستوى الرسم والنحت. وفضلاً عن علامات الإبداع المُضيئة الممثلة في التجارب المكرسة التي حفرت مكانها داخل المشهد التشكيلي العراقي، فأن تعدد الجغرافيا سجل اسهامته بقوة، حيث تعدت حدود المركز الى حواضر الوطن الأُخرى من خلال مشاركات فناني محافظات الوطن المتعددة الذين إستطاعوا أن بنقشوا أسماءهم داخل هذا الفضاء الجمالي. وعلى الرغم من أن العديد من الأسماء حاول تكريس تجربته وأسلوبه الفني الذي إرتكن الى مجموعة الرموز وتقنيات الإشتغال التي توصل إليها، إلا أنها كانت إضاءات من جانب آخر تكمن في حضور الإسم والتجربة، بوصفها علامة داخل هذا الحراك الجمالي المحتدم، والبعض الآخر حاول القفز على محاولاته السابقة لتشييد خطاب آخر سواء كان ذلك من ضمن توصيفات المحترفات الفنية أو التجارب السابقة. ومما يشار إليه بهذا الخصوص اللوحات الرسومية لمجموعة فنانين، بوصفها خلاصة الخطاب الجمالي للرسومية العراقية، كما في مشاركات (حسن ابراهيم، عماد عاشور، عماد جبار، محسن الشمري، حسين مطشر، طه وهيب، عبدالجبار الملي، عزيز عويد، فاضل ضامد، مؤيد البصام، عامر حسن، سيف سعيد، صباح حمد، مراد ابراهيم، معراج فارس، ستار لقمان، جواد الزيدي، احلام الخزرجي، نور عبدعلي، ورود جعفر) وآخرين، إجتمعت على بث فكرة الجمال والتعبير عنها بطرق مختلفة. فيما جاءت تجارب (قاسم حمزة وعلي قاسم) الخزفية محاولة لتعشيق الطين مع الزجاج لتؤدي الى لمعان الفكرة والخامة وتعكس أعمالهما ميزة تفارق في الثيمات والتقنيات بفعل خصوصية النوع الفني. وللنحت قصته المفارقة أيضاً بتجاوزه هذه المرة لحظات (الكم والكيف)، إذ تجاوزت الأعمال النحتية (20) عملاً بخلاف كل مرة وبزخم جمالي متعدد الخامات وطرق الإنشاء، أضاء هذه التجربة (هادي كاظم، وسام الدبوني، كمال كريم، صارم داخل، عاتكة الخزرجي، تحسين الجابري، زهراء رحيم، سجاد حازم، سهاد أحمد، زهراء فاضل، ميران كريم، غدير كريم) فضلاً عن تجربة (وليد خلف) القادم من إيطاليا ليعلن مشاركة الناس همومهم وتجسيد تطلعاتهم مُعمدة بأكاسيد البرونز ورائحة الشمع المذاب، ليلتحف كل هؤلاء بين أحضان جدران قاعة كولبنكيان التي توشحت برسومات إختلفت في التناول المضموني والتقنية والأساليب المدرسية التي شغلت منتجي الخطاب البصري طوال السنين المنصرمة. وقد إتسعت الرؤية الى خارج حدود الوطن لسجل المشاركات النوعية التي أغنت الخطاب البصري وأضاءت جزءاً منه، فقد كان لحضور الفنانين العراقيين المغتربين دفعاً جمالياً مؤثراً وخطوة أولى لرسم سياقات عمل تنظيمية في المستقبل القريب لتوسيع هذه الدائرة التي عقدت صلتها هذا العام على مشاركات (سعد علي، كاظم شمهود، سلام الشيخ) من بلدان المهجر والإقامة (بلجيكا، إسبانيا، سويسرا) حيث تمثلت عروضهم بإختلاف تجاربهم بإضافة نوعية في التجلي وآليات تلقي الآخر لها، بما يعزز هذا الإلتحام بين تجارب الداخل والخارج التي تُضيء جدار الوطن وتمسح عن وجهه شرور الآخرين، بوصفها نماذج تتعدد في المرجعيات، ولكنها تلتقي على أرض الوطن والإقتراب من همومه وآلامه وتطلعات الشعوب نحو الحرية وطرق النضال من أجل الأهداف السامية، فقد إتخذت تجربة (سعد علي) من صورة الإنسان سبيلاً للبوح لبيان ثيمته الرئيسة التي يجتمع الجميع من أجلها، مؤطراً صورته بمرجعيات النموذج العراقي القديم من حيث الشكل الظاهري، بينما حاول (شمهود) الى تقصد العبثة في تشييد خطابة إنسجاماً مع فكرة عبثية العالم الخارجي، إذ تجلت في لوحته خطوط عفوية تتقاطع وتتداخل حتى تتحول الى شبكة من التقاطعات من دون أثر لمعالجات أرضية العمل الفني. ولم يبتعد الفنان (سلام الشيخ) عن هذا حين حاول الجمع بين المتناقضات التي تغزو العالم برؤية تجريدية ممثلة باللونين (الأسود والأحمر) من دون تزويقات زخرفية على أرضية اللوحة، أو تماسات بين الكتلتين، حتى إنه إصطفى نصاً كتابيا، بوصفه معادلاً موضوعياً لإكمال المعنى في لوحاته(الغذاء، والدم) أو (الغذاء والنفط) ثنائيات تلخص معادلة الصراع الأزلي من أجل الحياة، مستثمراً الصراع الطويل للشعب الفلسطيني في أعمال أُخرى.وكانت مفاجأة معرض هذا العام مشاركة الفنانة السويسرية (أورسولا ياخمان) بثلاثة لوحات واقعية في حقل الرسومية إعتمدت فيها على اللونين (الأسود والأبيض) من خلال تقصدها العودة الى النظم الواقعية والمهارات اليدوية في الرسم إزاء الصراع الدائر بين العودة الى الواقعية وهجرة المجرد ومعطيات الذكاء الإصطناعي. إن هذا كله ساعد في نجاح المعرض على صعيد المشاركات الجمالية أو الحضور الكبير بتتويج متعة التجارب والمناسبة أيضاً.