لم يكن هذا الصباح عاديا رغم زقزقة العصافير والشمس المشرقة اذ هطل علينا خبر صاعق يفيد بان فرج ياسين قد غادر عالمنا الارضي وطوى ثمانية عقود عاشها معتكفا في بيته مهووسا ومستمتعا بكتابة القصص والقصائد والبحوث النقدية، لا تعنيه الشهرة ولا يقتفي مجده الشخصي ،كان يؤثر ان يكتب ببصمته الخاصة وهو يستغور عوالم الطفولة والصبا وينقب في تفاصيل المكان وخصوصيته ومن دون شك استطاع ان يقدم اضافة نوعية لمسيرة السرد العراقي والعربي عبر مجاميعه القصصية المتواترة واختتمها بكتاب اسماه (ايامي) يستعيد فيه تفاصيل ومواقف وحالات كثيرة عاشها بحساسيته المتفردة وطريقته المختلفة في تناول الحدث وملاحقة حيوات شخصياته.
تعرفت على فرج ياسين في مطلع عام ١٩٧٥ حين انتقلت الى مدينة تكريت ، وقتها بحثت عنه وعن طلال الغوار ومن الصدف الجميلة ان يكون فرج وطلال مجاورين لي في ( حي الحارة) المحاذية لنهر دجلة ومن هناك جمعتنا رفقة امتدت لاكثر من خمسة عقود كان فيها معلما وصديقا وموجها وحكيما ومتسامحا يقصده الكثير من الكتاب والادباء طلبا للنصيحة والتوجيه ولم يكن يدخر جهدا في احتضان المواهب ومتابعتها ومساندتها وكان هذا شانه مع الجميع ، كتبت عن قصصه العديد من النقود التي نشرتها في الصحف العراقية ولم يكن هذا يرتفع الى مستوى الوفاء الحقيقي لما قدمه لنا حتى انني كنت اقول للأصدقاء دائما باننا جميعا قد خرجنا من معطف فرج ياسين. ها هو ذا يرحل تاركا لنا كتبه ومجاميعه القصصية وروايته القصيرة ( عودة الجعل الى بيته) التي بقيت وتبقى شاخصة في ذاكرتنا الجمعية تشهد على حقبة زمنية كان يتصدر فيها المشهد الثقافي بإبداعه وعطاءه المتفرد والمغاير.