اخر الاخبار

داء الفشل الكلوي البغيض هو من قتل أديبنا الكبير جمعة  ليسرق من الوسط الادبي أحد عمالقة السرد، والشيوعي الثائر الذي تنقل بين سجون الحكومات الاستبدادية منذ ستينيات القرن الماضي ليرسم لنا لوحة زاهية عن النضال الحقيقي والوطنية الناصعة البياض كنصاعة اسمه في ارشيف الذاكرة الجمعية.

عمارتلي الهوى

ولد الراحل جمعة عجيل درويش راشد اللامي في محافظة ميسان عام 1947 وعاش طفولته في منطقة الطيب ومحلة الماجدية، وكونت تلك الطفولة بذرة العشق الكبير لمدينة العمارة النتي خصها في الكثير من اعماله الادبية مثل مجموعته القصصية " اليشن " و " ابن ميسان في عزلته " و" المسألة الفلاحية في العراق"  وغيرها من المؤلفات التي يراها البعض وكأنه قضي سنوات حياته في مدينة العمارة  مسقط رأسه، كما اسس في منفاه الاختياري  في الشارقة " مركز الشارقة - ميسان العالمي للحوار والتنمية الثقافية " ، ولكن ما يثير الدهشة ان جمعة المشاكس انتقل مع عائلته الى بغداد في العام 1959، وباشر في نشر اعماله في الصحف والمجلات العربية بعد انتمائه للحزب الشيوعي العراقي، ولنشاطه الحزبي ايام سيطرة الحرس القومي على السلطة أدخل السجن في العام 1963.

ضياع مجموعته الاولى

للسجن تأثيره الادبي الكبير على اللامي وباعترافه في احدى المقابلات الصحفية أكد قائلا:" في السجن صرت كاتبا محترفا" ، ولسوء حظ المكتبة العربية ان عمله الاول الذي كتبه في العام 1967 ضاعت مخطوطته والذي يوثق فيه حياته في السجن، لتصبح مجموعته الاولى التي استنبطت عنوان مقالتي منها هي " من قتل حكمة الشامي" التي كتبها في سجن الحلة عام 1967 والتي ناضل اللامي كثيرا وعانى من الرقابة بصراع مرير ليستطيع نشرها في العام 1976،لتتوالى بعدها انجازاته الادبية الكبيرة التي شكلت حضورا مميزا بالمكتبة العربية والعراقية التي منها " اليشن، الثلاثيات، المقامة اللامية، مجنون زينب، ترجمان العشاق، التراجيديا العراقية " ولم تغب الرواية عن القاص اللامي ليتحف المكتبة الادبية برواياته الثلاث " المقامة اللامية، مجنون زينب، عيون زينب، الثلاثية الاولى " وخرج اللامي من عباءة السرد القصصي والروائي ليبحر في عالم الدراسات ومن دراساته المهمة " قضية ثورة، الصراع والوحدة في منظمة التحرير الفلسطينية، دراسة ثقافية تاريخية في الشخصية العربية، والمسألة الفلاحية في العراق" وغيرها من الدراسات الاخرى.

رحلته الاعلامية

اللامي على الرغم من انشغالاته الأدبية؛ دخل الوسط الاعلامي عن طريق منشوراته في الصحف والمجلات العراقية والعربية، ففي بداية سبعينيات القرن الماضي ترأس اللامي تحرير مجلة "وعي العمال" ولنجاحه في تطويرها تحول بعدها كمدير لتحرير مجلة "ألف باء"، ومع اشتداد سطوة النظام البعثي وتحكمه في الاعلام غادر اللامي الشيوعي الى الامارات في العام 1979 ليستقر فيها الى يوم رحيله الابدي في يوم الخميس السابع عشر من نيسان هذا العام عن عمر ناهز" 78" عاما، وفي دولة الامارات عمل ابا عمار في صحيفتي "الخليج" و"الاتحاد" وكان الابرز من بين الاقلام العربية العاملة في تلك الصحيفتين، وبعد نجاحه الاعلامي اختير كخبير ثقافي لدائرة الثقافة والاعلام في امارة عجمان.

جوائزه وبيانات النعي

حاز اللامي في مسيرته الابداعية على العديد من الجوائز الادبية منها: " فوزه بالمركز الأول للقصة القصيرة في المؤتمر الأول للكتاب الشباب في العام 1977" و " جائزة السلطان قابوس للابداع الثقافي" وجائزة العنقاء الذهبية الدولية في العام 2007" و" قلادة الابداع ".

نعي اللامي  الذي عجت به صفحات التواصل الاجتماعي لهذا الرجل، دليل واضح وجلي على نقاء سريرة هذا المبدع وبياض وجهه وموقفه الرافض للطغيان وديكتاتوريات الجور والاضطهاد، لذلك نعته الحكومة العراقية ممثلة بدولة رئيس الوزراء السوداني الذي قدم العزاء للوسط الثقافي والادبي برحيل اللامي، ووجه السوداني بالتكفل بنقل جثمان الفقيد من دولة الامارات العربية المتحدة الى مثواه الأخير في أرض الوطن. وكان السيد السوداني قبل وفاة اللامي أوعز بارسال وفد ادبي للاطمئنان على صحته وتلبية احتياجاته ، وكان الوفد مكونا من المستشار الثقافي لرئاسة الوزراء الشاعر عارف الساعدي، والامين العام لاتحاد ادباء وكتاب العراق الشاعر عمر السراي، والشاعر حميد قاسم لكن القدر لم يمهله طويلا، وقد رثاه اتحاد الجواهري في بيان تعزية قائلا: " ينعى الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق القاص الكبير جمعة اللامي الذي فارق الحياة بعد مسيرة طويلة وكبيرة وحافلة في عوالم السرد والمقالة والثقافة والادب..... الرحمة والمغفرة لروحه الطاهرة والسلوان لاهله ومحبيه ووسطنا الثقافي العراقي، والوسط العربي".

عشق اللامي لدجلة

اصدقاء رحلته في الادب والصحافة، شغلت صفحاتهم الشخصية عالم الفيسبوك عبر مقالات الاستذكار لهذه القامة الادبية اللامعة  ومنها على سبيل المثال لا الحصر استذكار الروائي والقاص عبد الستار البيضاني الذي نقتطف منه قوله" عندما اخبرني المبدع الكبير جمعة اللامي انه سيزور بغداد ، قررت مع الصديق الروائي حميد المختار، ان نحتفي به بطريقة استثنائية، وبعد وصوله بايام اصطحبناه الى شارع ابو نواس ودعوته على عشاء ( سمك مسكوف) في المطعم البغدادي ومعنا كانت السيدة ام عمار التي حسمت قلقي بعدم تناوله الطعام بقولها " ترى ابو عمار ما يكل شيء، كل الاكل ممنوع عليه"  وبكلمات مرتعشة، اضاف ابو عمار: ( ما اريد اي شيء خلوني اشبع شوف من دجلة)، تركت يده كي اجلب كرسي ليجلس عليه، لكنه رفض الكرسي، وجلس على تراب الجرف غير مكترث بتلوث بدلته الرسمية بالتراب، وكنا انا وحميد نستمع وكأن حديثه ترتيل صلاة وداع للمدينة ونهرها، لتكون تلويحة وداع أخيرة من الدنيا، وقد رفض نفض التراب عن ملابسه عندما نهضنا" وختم البيضاني بكائيته على صاحبه بقوله " رحل جمعة اللامي خلف حلم مازلنا نتحسسه بجوارحنا بعد حياة ضاجة لا تعرف السكون، نحتاج الكثير من المساحة والوقت لتدوينها....الكلام لايفيك حقك ياصديقي...وداعا جمعة اللامي المبدع الشرس المهيوب الكريم، الحنون" .

أول هدية لحبيبتي

ابكاني وبحرقة ما كتبه الشاعر والاعلامي علي وجيه وهو يقول "  صباح العافية ابا عمار، صباح الورد على جبينك الأسمر، ايها العمارتلي العجيب، مرة، وما زلت احببت إمرأة اسمها نورا سالم حساني الحلفي، عمارتلية، مثلك، مثل جدي سيد عباس، وذهبت لها بفترة الخطوبة، وقلت لها : هل تحبين القراءة؟ فقالت نعم، أهديتها أعمالك الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بمجلدين...أيها العمارتلي الحاد، كانت أول هدية لحبيبتي في حينها، الآن وأنا جالس لوحدي، محاطا بالكتب، ويصلني خبر موتك، فرحت لك، تعبت كثيرا ياعماه، تعبت كثيرا، منذ تواصلنا أول مرة، منذ عقد، حتى وفاتك، وأنا بين الاحتفاء بك، وبين تمني الشفاء العاجل....لكن هذا لايليق بك، يابيرغ الشرجية... ياوكح نكرة السلمان، أيها القصير وأطول من أرى في الصور الجماعية، الزلمة، ارى مظفر النواب بمنزلك، أراك واقفا مع درويش والماغوط، وانت أطول منهم، أيها القصير....سأشتاق لك كثيرا، عمي المشرشب! لان هدية خطوبتي، أعني نصوصك، بنت بيتي، ولي من العمارتلية أربعة أطفال، ببركة تلك الهدية، وداعة الله يا مجنون زينب.. ويا خنجر الفارس وسيفه، أود أن ارثيك حتى يستطيل النص ليكون كتابا، لكنني منهك عمي.,..سلاما لمن نحب، أقيلك على يديك"، وانا اشارك عليا الوجع واختم مقالي بدارمي حزين للعمارتلي والشيوعي جمعة قائلا:

"جمعه أراد أون عليك ونة عماره سولتها تالي الليل كاس وجكاره"