اخر الاخبار

كلّ شيء ملوث هنا

إيها المجهول

أيها الشاعر الضلّيل ،

لن تجد ماتريد في هذه المدينة ،

ولن تصادفها تحت هذه الأضواء والظِلال ،

لابد أن ترفع ثوبَك عن مياهها الآسنة ،

ولابد أن تملأ قربتك بمياه الينابيع ،

كلّ شيء ملوث هنا ،

فاعبر الى الآفاق البعيدة ،

واسترح عند شجرةٍ مورقةٍ

حدّق في الماضي بشجاعةٍ

حدّق في السماء بقسوةٍ

وهناك تدرّب على ترويض الوجود بين يديك.

يتدرب على الوجع

فجأة وجدتُ مجنوناً مثلي ،

يرفعُ يده فتسقطُ  الثمار في حضنه ،

وتفتحُ الغابةُ طريقاً له .

يا إلهي !  كيف فعلتَ هذا بعيداً عني

النظير الجميل .. المايسترو المذهل

يرفعُ عصاه فتتبعه الطيور في السماء

هكذا يتدرب على الوجع

ويراوغ  الموت ،

ويجد نفسه في الفردوس.

حين ترى عاشقَين

إذهبْ بعيداً إلى أعمق المسرّات

وإلى أبعد البلدان

وازرع الحبّ في كلّ خطوة من خطاك

وحين ترى عاشقَين إركع لهما ..

وصلِّ .

دع جسدَك يصير دخاناً

قف على مقربةٍ من أيامكَ البيضاء

وابتعد عن أيامك السوداء

إصنع لكَ حلماً بعيداً

واجتمع في وهجكَ

ودع جسدَك يصير دخاناً

واجمع رمادكَ لليوم التالي كي تنثره في نهر الماضي

وابدأ من جديد .

إشعل حاضرك

ضع فحمَ ماضيكَ على موقدٍ

وراقب توهجه

انتزع الوهج منه واشعل حاضرك

ستندمل جروحك القديمة

وتكون لك جروح جديدة

وارفع صوتك بالغناء.

تبلل بصوتكَ

وبمطر من تحب

كلّها مياهٌ لغسل روحِكَ وبدنكَ

من ماضٍ تكدّسَ

وتكاثر عفنُهُ .

عبيد الوهم

ينحدرُ في طبقات الخوف

يحملُ شمعةً وقلباً مرتجفاً بالحب

يفتح طريقاً مورقاً

ورغم عبيد الوهم الذين يرجمونه كل يومٍ

لكنه يتلألأ ويزداد لهباً

الشمعة تمنحهُ نبضها

وذلك البرج البعيد الذي يمضي نحوه .

تدريب

يتدربُ على حمل الوجود بين كفيه

لم تعد اليدان عاطلتين

تحقق تأويل خطوطهما

بينما أقدامه المسرعة تتدربُ على القفزِ بعيداً

وتمتلأ أكتافه ريشاً

يغوصُ في أعماق الليل

مصحوباً ببكاءٍ مرٍّ

وغيمةٍ خائفة .

النهران سيندثران

ماذا عن وجعٍ لاينام ؟

ماذا عن سلالته التي تستقر في العيون وفي الأصابع

بين الأوراق وعند الجذور

وهو يمسّ ذلك الطائر الواقف على غصنهِ

النهران سيندثران

ومدوناتهما ستتوجع

والجالسون على الكراسي سينامون

ويذوبون في العراء

كلّ شيءٍ سيمضي بعيداً

وستبقى الجدران العازلة وصمة عارٍ

وجنايةً .

أمضي في مركبٍ صغيرٍ

ليس فجراً جديداً

بل هو شقٌّ في الجدار الأصمّ للزمن

واطلالة على مياهٍ بعيدةٍ

وارتباك عينين دامعتين

وتشبّثُ أجنحةٍ مقصوصةٍ بالهواء

ذلك الحلمُ في غفوةٍ

حملني ووسّع صدري

كنتُ أمضي في مركبٍ صغيرٍ

أجذف بمهارة وأرى مطاردات الأسماكِ حولي

وأسمعُ غناء بيوت القصب يتصاعدُ

وفي استدارة منعطفٍ

غرق ظلّي في المياه وتوارى

كم لبثتُ هنا منذ ذاك الزمان !

وكم كانت عصاي تصارع المياه !

والدخان .. كم ملأ هذه الغدران الواسعة فمات أهلها !

وغرق مركبي !

أيها الماضي

من علّمكَ ، كلّ هذا النباح ، أيها الماضي ؟

ولماذا تركضُ ورائي ؟

لماذا تداهمني كالأعمى وتحاول جَلدي ؟

كنتُ اسمعكَ في الكتبِ

وفي الأوراق الصفراء

لكنك ، اليوم ، تظهر كقاطعِ طريقٍ

وكشيخٍ ملثمٍ وجريح !

مستنقع

لكي أعبر هذا المستنقع

لابد من جزمةٍ طويلةٍ

ولابد من بخورٍ يلازم طاستي

لابد من قمرٍ على كتفي

ولابد من كلابٍ تحرسني

لكي أعبر لابد من سطولٍ من العطر

ومن كمامات سوداء

لابد من صرخةٍ هادرة من الأعماق .

منبر خشبيّ

العباءةُ التي ألبسوني إياها تمزقت

ولم يعد لكلِّ تلك القوافل طريقٌ نحو غايتي

أغلقَ الوهمُ أسوار المدينةٍ

وتناسلت الغربانُ

وهي تمجّدُ ذلك الطاووس العجوز

والذي يتلو معجزاته

من على منبرٍ خشبيّ

الدمُ يسيلُ على رؤوسنا

والأحجار تتساقطُ فوق أجسادنا

وظلام عميقٌ يدخلُ أعماقنا

لكنه يستمر بالكلام !

قوس روحكِ

لم يحن بعدُ ذلك العناق

أنتظرُ بشغفٍ قوس روحكِ

وهو ينحني على خشبةِ صلبي

وانتظرُ دقَّ المسامير

هنا سنصعدُ

وهنا سنهبطُ

وفمكِ يرتّل النداء

وبين شفتين تتحركان يبتهل

ويمنحني البشارة .

عصا المايسترو

ارتجفُ في مغاوركِ حين أغني

وحين أمدّ يدي الى قيثارتكِ

وحين أرفعُ عصا المايسترو

وحين أضربها  بالطبلِ

ذلك النور ، لاريب، ينفجرُ من أغواركِ

ذلك وهو يتخطى وهمي

ويذهب بعيداً

ولايبالي بي .