اخر الاخبار

لعب الفن العراقي، والتشكيلي منه تحديدا، رأس الحربة في التحديث الثقافي في أواخر النصف الأول، والنصف الثاني من القرن العشرين، ولعب دورًا محوريًا في التأثر والتأثير بين التوجهات اليسارية وبين الابداع وفي طليعته الفن التشكيلي، فنال الفن دعم وتعزيز حركات اليسار السياسي العراقية منذ نشأته الاولى في خمسينيات القرن العشرين، من خلال قدرته على التعبير عن الهموم الاجتماعية والسياسية، ومحاولة تسليط الضوء على هذه المشكلات الاجتماعية والاقتصادية؛ فساهمت اعمال محمود صبري ورشاد حاتم في نشر الوعي وتحفيز المتلقين للتفكير بهذه القضايا.

ان المقولة المركزية التي استند اليها خطاب نشأة الفن التشكيلي العراقي كانت مستلة من خطاب عصر النهضة العربية في التعبير عن الروح المحلية، ومحاولة بناء هوية ثقافية محلية عراقية جمعية تعكس قيما ومبادئ انسانية يعتبرها اليسار واحدة من اهم مرتكزات خطابه؛ فكان نصب الحرية التعبير الارقى للتوجه اليساري في التحرر الوطني.

لقد عدّ اليسار العراقي بعض اعمال جيل الخمسينيات منتمية للخطاب الذي يروج له، كأعمال محمود صبري التي صور فيها العمال والفلاحين والطبقات المسحوقة من المجتمع، واعمال كاظم حيدر  الذي صور صفحات من الظلم في (ملحمة الشهيد)، بينما كانت تجربة جواد سليم مكتظة بإمكانيات خبيئة فجرتها ثورة 14 تموز، وبلغت ذروتها في نصب الحرية لجواد سليم، وبات عملا ثوريا على درجة عالية من الرقيّ والابتعاد عن المباشرة التي يقع فيها فنانون تاخذهم الموضوعات فينزلقون مبتعدين عن القيم الجمالية التي لا يمكن التضحية بها في اي حال، وكانت أعمال محمد مهر الدين تعالج محنة الانسان في عزلته ومعاناته الوجودية، وكانت الجداريات لشمس الدين فارس ومن جيل الستينيات كانت أعمال يحيى الشيخ وضياء العزاوي التي تناولت القضية الفلسطينية كذريعة لتمرير أعمالهم الثورية الاحتجاجية، وايضا اعمال الفنانين صلاح جياد وفيصل لعيبي وعفيفة لعيبي من جيل السبعينات وهي اعمال زاخرة بالروح الثورية التي اعتبرتها الادبيات اليسارية نقدا للسلطات والأنظمة القائمة وفضحا لفشلها في معالجة الاوضاع الاقتصادية المتردية للطبقات العراقية الشعبية والفقيرة التي صورها هؤلاء الفنانون، واعتبر  ذلك الخطاب، انخراطا للفنانين في تصوير الطبقات الفقيرة نقدا للسياسات والأنظمة غير العادلة، ورفضا للظلم والاستبداد من قبل الفنانين، ودعما  لمواقف اليسار الساعية للتغيير.

وقد اصبحت ادبيات اليسار ان اهم مهماتها اكمال توجهات تجارب بعض الفنانين العالميين كبيكاسو وفرنان ليجيه والجداريات المكسيكية، وكان الاتجاه الواقعي في الفن هو الطريق الاهم للتواصل مع الجماهير المهتمة بالفن التشكيلي.. كما باتت الاجواء الحلمية في بعض التجارب تعويضات عن القهر الاجتماعي الذي يعيشه العراقيون، ونمطا من اليوتوبيات التعويضية للواقع المرير..

كما كان شيوع ظاهرة (البوستر السياسي)، في السبعينات، متنفسا للعديد من الفنانين للتعبير عن مواقفهم الثورية عن طريق اتخاذ القضية الفلسطينية موضوعا بديلا يأخذه الفنان قناعا للتعبير عن الأوضاع العراقية.