اخر الاخبار

لن نتكلم هنا عن أنواع مسرح الشارع كالرقص والموسيقى والأكروباتيك وغيرها، والتي مع فن المسرح قد تطورت في مهرجانات محلية وعالمية شديدة الأهمية، والتي لا نشاهد لها مثيلا في العالم العربي الا فيما ندر٠

ومن تجارب مسرح الشارع المعروفة تجارب المسرح الحي الأمريكية وتجربة مسرح المضطهَد للبرازيلي اوكستوبوالكما. إن هذا النوع من المسرح لا يزال من تجارب اليوم خصوصا في أوروبا.

ويمكن ان تكون تجربتنا في السبعينيات في العراق من التجارب الجديدة المتواضعة في هذا المضمار في العراق وعدد من البلدان العربية.

فالمسرح الحي الأمريكي في الستينيات قدم في شهر تموز من عام 1964

خلال مهرجان افينيون العالمي مسرحية الجنة.

خرجت الفرقة إلى شوارع افينيون وهي تهتف:” المسرح في الشارع”، وكانت الفرقة تقدم العديد من أعمالها في الشارع ضاربة عرض الحائط أسلوب العمل التقليدي حيث يتم الأداء دون ديكور أو لإنارة أو كراسي للجمهور او غيره، وبالطبع تتم كتابة العمل بشكل يتناسب مع الشارع فيتحول الجمهور إلى ممثل يبدي رأيه ويشارك في الأداء والحركة مما يؤدي إلى نوع من الابتكار المستمر، يؤثر ويتأثر بمسرح الحياة الكبير.

ولإيضاح شيء من العلاقة بين المضمون والمكان التقليدي نود الكلام عن تجربتنا التي كنا قد أخرجناها في العراق ضمن عدة تجارب في السبعينيات وهي مسرحية "الاستعراض الكبير"، والتي قدمناها في عدة أماكن خارج المسرح التقليدي حيث كان الاعتماد الرئيسي في الإخراج على جسد الممثل وحيث كان بعض الممثلين يدعون الجمهور للمشاركة في العمل بشكل خاص، فمسرح الشارع هو الذي يحيا ببساطة بدون ديكورات ضخمة أو بروجكتورات ثقيلة أو أموال طائلة! إنه مسرح هؤلاء الناس الذين نشاهدهم هنا وهناك والذين يعيشون أدوارهم على خشبة المسرح الإنساني الواسع. الاستعراض الكبير لم يكن عملا غنائيا راقصا كما يتبادر للذهن، بل هو عمل استعراضي لعدد من مشاكل عالمنا العربي الكبير مثل أهمية دور المرأة الخطير في بناء الانسان إلى تجزئة الوطن العربي إلى مقاطعات ومرورا بقضية فلسطين. هكذا قلنا إن المقهى هو المكان الذي يجتمع فيه الكثير من الناس، واتفقنا مع مقهى السعدون قرب ساحة التحرير وسط بغداد على تقديم العمل فيه لعدة ايام. في وسط القاعة وضعنا خشبة بسيطة يحيط بها الجمهور من الجهتين وأجلسنا الممثلين بين الجهتين فهم يصعدون فورا إلى الخشبة ثم يعودون إلى أماكنهم حسب الدور.

هناك من جهة مجموعة تطالب بفن رخيص يداعب العواطف السطحية! ومن الجهة الأخرى من يطالب بفن أصيل واع. وقد حضر العرض العديد من الفنانين الكبار منهم صلاح أبو سيف وقاسم محمد، كما مثل في المسرحية عدد من النساء وهذا لم يكن موجودا فيما إضافة لحضور عدد من النساء لمشاهدة العرض. يقول الناقد العراقي المعروف علي مزاحم عباس في مجلة اقلام العدد – 12/1976:

"لقد ظن البعض الفنان د. سعدي يونس دون كيشوت يحارب طواحين الهواء بسيف من خشب أو لعلهم ـ أرادوه أن يكون كذلك-  رأوه يتصدى بأفقر الامكانيات لشق طريق وعرة لتخطو فوقها تجربة جديدة تهدف أن تقول إذا لم يأتك الجمهور فاذهب إليه".

ثم يضيف " ومواجهة جمهور جديد وإثارة فضوله وتعريفه بالمسرح فقد يتحول إلى جمهور دائم. من هنا يمكن أن نبرر ترحيبنا بمحاولات سعدي ذلك الترحيب الحار الذي جاء على نقيض بعض الفنانين الذين يشكون

بشكل مبالغ فيه من قلة القاعات فيتخذون منها مبررا لعدم حركتهم في البحث عن الحلول البديلة. كانت بشارة العمل الأول مع ولادة مسرحية "الاستعراض الكبير" التي قام بتأليفها وإخراجها الفنان سعدي وقدمها في إحدى مقاهي بغداد فاستقبلها البعض بكثير من السخرية المتشفية. فقد نظروا إليها بمنظار المسرح الآخر، مسرح القاعة النظامية والديكور الثقيل والإنارة وطقوس المشاهدة التقليدية ففوجئوا بمسرحية يلتحم فيها الممثلون مع الجمهور يعرضون عملهم فوق دكة ويخاطبون الجمهور بشكل مباشر ويحرضونهم على اتخاذ مواقف معينة من قضايانا القومية.

ونود أن نقول هنا إن أهمية الربط بين التراث الإنساني العربي وتجاربنا اليوم، الذي نبحث عنه هو الاستمرار في تجربة الحكواتي الأصيلة والملاحم العربية كملحمة عنترة ومقامات بديع الزمان الهمداني ومعلقات امرؤ القيس وروعة سوق عكاظ وحكواتيي ساحة الفنا في مراكش وغير ذلك من أعمال الفن الشعبي العريق دون أن ننسى الاستفادة من التجارب العالمية وألا ننسى ابداعنا الشخصي".