كنا أنا وأحمد زميلين في كلية التربية / قسم اللغة العربية. بعد التخرج لم يحصل أي منا على وظيفة، شأننا شأن الآخرين.

استمرت صداقتنا بعد التخرج، يزورني في الأسبوع مرة أو مرتين لاستعارة بعض الكتب من مكتبتي.

ما عرفته عن احمد انه واثق من نفسه، صادق في قوله، وفي اذا تعهد، قليل الكلام، كلمته واحدة، ورأيه واحد يستمدهما من مصلحة الناس. محب للحياة ومؤمن بتطورها ورافض لجمودها ويردد دائماً: ان جمود الحياة قاتل لها ومفسد لمعانيها السامية.

في أحدى زياراته قال: عدم حصولي على عمل يفسد حياتي ويجعلها مملة لا طعم فيها ولا لذة أخشى ان اقوم بعمل لا أرتضيه.

- لا تكن جباناً وتفعل ما يقوم به المنتحرون الفاشلون في الحياة. ردّ عليّ بغضب واضح: 

- أنا لست جباناً وأحب الحياة، فما الذي دعاك لاتهامي بالانتحار؟! ما قصدته بقولي. أرغب العيش ميتاً في مجتمعي وأعيش حياً في المجتمعات المتحضرة التي تزخر بها مكتبتك.

- الا تعتقد ان موقفك هذا هروب من مسؤوليتك تجاه شعبك  وأنت تعلم ان غيوماً سوداً تتجمع في سماء العراق وتمنع عنا رؤية نور الشمس في وضح النهار؟

- لقد اتخذت قراري وقل ما تقل.

في زيارة احمد الأخيرة كان مضطرباً متوتر الأعصاب والتناقض واضح في أقواله . . قلت له: لا أرى فيك أحمد الذي أعرفه بشوشاً ضاحكاً حالماً. ما الأمر قل لي الحقيقية؟

- زارني أحد اصدقاء الطفولة في بيتي. رحبت به ولم أشعره باستغرابي من زيارته. ردّ عليَّ بكلمات لطيفة واكثر ودية، عززت ثقتي بنفسي وانعشت أحلامي لأن الزائر من رجالات هذا الزمان.

بدأ حديثه بالقول:

- نحن لسنا جديدين بمعرفة بعضنا البعض وكما اعرف انك تكره الحياة بدون عمل وتسعى باستمرار للحصول على فرصة عمل ولم تحصل ولكن مع هذا لا يمكن أن تعيش بدون عمل فأنت لديك القدرات الكثيرة لتنجزها بنجاح باهر.

   أخي أحمد:  ان سارت الحياة هكذا مملة وكررت نفسها على هذا المنوال، فلن تبقى اية لذة ولا سعادة فوجودك وعدم وجودك يصبح سيان.  وحينئذ لا تتعدى ملاحظاتك وآراؤك حدود ظلك.

اخي الفاضل لسنا صديقين ليوم واحد او يومين، أنا أعرفك بما فيه الكفاية، اعلم ان لك أحلام كبيرة، لكن ينبغي ان تقدم لها جهود كبيرة وإلا ستبقى على سذاجتك وبؤسك  طول العمر. الآن ليس مبكراً ان قلت ان الوقت قد حان لتحصل على فرصة عمل كي لا تعاتب نفسك وتشتكي من سوء حظك ومظلوميتك. ان كنت صادقاً مع نفسك في متابعة الحصول على فرصة عمل للوصول الى آمالك وتطلعاتك ... فهي اليوم في متناول يديك. ان تمكنت من تلقفها ستتغير كل حياتك. أنت تعلم ان بعض الفرص في الحياة تأتي مرة واحدة ولن تتكرر وإلّا فما عليك الا ان تتهيأ لها وتترصد كل الفرص التي ستتاح لك في مسيرة حياتك.

- حديثك حول حصولي على فرصة عمل جعلني أطير فرحاً ولكن قل لي ما المطلوب مني حتى يتحقق الحلم الجميل الذي سمعته؟.

- أنا مرشح الدائرة الثانية في محافظة البصرة. ولا أخفي عليك سراً لقد اتصلت بجميع الذين يحق لهم التصويت ووعدوني بالتصويت لصالحي، ووقّع كل منا المقايضة بيننا.

واصبحت استحالة عدم فوزي بالانتخابات كاستحالة بزوغ الشمس من المغرب، وهذا يعني انا عضو في البرلمان القادم،  إنْ صوّت لصالحي ستحصل على الوظيفة المناسبة لك كونك خريج جامعة.

- خانتني الشجاعة ولذت بالصمت. هذا هو سر ما تراه على وجهي من توتر واضطراب نفسي، انا لست احمد الذي عرفته أنت. بداخلي شخصان يلعبان لعبة جر الحبل، ان صوّتُ لصالح المرشح ربما احصل على بعض مغريات الحياة ولكن عليّ أن احذف من اخلاقي القيم والمبادئ والمفاهيم التي بنيت عليها حياتي، وعند ذلك سأكون دابّة معلوفة وانْ رفضتها كما يقول المرشح، (تبقَ ساذجاً بائساَ طول العمر).

  هل لك رأي؟  أتمنى ان يعزز قراري الأخير الذي اتخذته فترتاح نفسي ويزول توترها.

-  هل تعتقد ان البرلمان القادم يحقق متطلبات الحياة الكريمة للشعب العراقي ومنها حصولك على فرصة عمل. أنا اعتقد تبقى معاناتنا في الكهرباء وسيطرة الأحزاب الإسلامية على التعيين في الوظائف الحكومية ويرجع الخوف من افلاس الدولة.

  البرلمان القادم سيحسم الصراع بين المدنيين والأحزاب الإسلامية حول نوع الحكم إذ سيصوت على ان دولة العراق دولة اسلامية.

والدولة الإسلامية تحكم وفق الشريعة الإسلامية وتلغي كل ما يتعارض معها من قوانين مدنية وقرارات وتجبرك على تقبل حياة اسلافك قبل 1400 عام وتمنعك من رؤية جمال الحياة وتفرض عليك الأيمان بجمودها.

نصيحتي لك ان تضع يدك بيد الشعب وقاطع الانتخابات كي لا تكون دابة معلوفة لا ترى إلا حبل رقبتها والمعلف أمامها.

- شكرا لك لقد ارحتني، وأنهيت لعبة جر الحبل بداخلي.

عرض مقالات: