اخر الاخبار

كتب الرائد فيكتور كازاليت الى أمه في كانون الأول 1918 قائلا :" إن سيبيريا مكان مرعب، ولا يمكن لأحد تخيل سبب لأن يعيش أحد هنا". كان كازاليت البالغ 21 عاما جزء من القوة العسكرية البريطانية " قوة التدخل" المرسلة لدعم البيض المعادين للبلاشفة خلال الحرب الاهلية الروسية. غير أن الجهل الغربي بروسيا أدى الى وضع أهداف غير واقعية. كما لم يكن الفشل بريطانياً فقط ففي سنة 1917، عندما أرسلت الولايات المتحدة وفدا لإسناد "الحكومة المؤقتة" خلال الحرب العظمى، بالكاد استطاع الدليل الروسي كتم غضبه لأن أفراد الوفد تصرفوا كأنهم " جاءوا الى قبيلة جاهلة متوحشة، وأن معامل صنع الأسلحة التي رأوها يديرها أجانب، وأن كل امرأة روسية لا بد وأنها نامت مع راسبوتين".

يروي لنا كتاب آنا ريد (حرب صغيرة قذرة: معركة الغرب لقلب الثورة الروسية) قصة تورط الغرب في الحرب الأهلية الروسية، وهو عمل طائش جرى أواخر الحرب العالمية الأولى انتهى نهاية مخزية بعد سنتين بهزيمة البيض. لقد قاتلت قوات التدخل في سيبيريا شمالا، وفي القوقاز، وعلى سواحل البحر الأسود حيث ترسم لنا ريد مناظر معذبة مستمدة من صور وبطاقات بريدية ويوميات ضباط بريطانيين وأميركيين كمصادر أولية أساسية، وقد رسمت بلمسات سريعة كل شخصية من الشخصيات المذكورة، فمثلا الجنرال البريطاني ألفريد نوكس قائد الحملة السيبيرية " رجل من أولستر مهيب المظهر الى درجة تبعث الخوف في نفس الناظر"، فيما الرئيس الأميركي وودرو ولسن " نوع من الرجال يبدو جيدا بقبعة عالية".

إن اليوميات سجل أخاذ. لقد أربكت طبيعة الأرض الرجال الذين أرسلوا الى روسيا وقد كتب قائد قوات الحلفاء في الشمال الجنرال ادموند آيرونسايد قائلا:" إن روسيا شاسعة بحيث تجعل المرء يشعر بالخمود"، واكتشف الرجال في كتيبة ميدلسكس بأن :" بعوض سيبيريا يمكنه أن يعض من خلال البطانيات"، فيما استمتع آخرون بما يشبه عطلة ممدودة حين قامت السفن البريطانية في صيف 1919 بدوريات حول شواطئ القرم التي سقطت مجددا تحت سلطة البيض، وأخذت تستقبل السكان على سطوحها بين الرابعة عصرا والمغرب. كتب لينون غولدسمث آمر المدمرة مونتروز :" لم يحصل الرجال على وقت كهذا في حياتهم ويعيشون وجودا يسير في غاية السعادة دون أية كلمات". مع ذلك فإن ضباط "المتدخلين" وإن أعجبتهم في الغالب ضيافة البيض لهم فقد انتقدوهم لتشاؤمهم المهلك المناقض لروحية الممكن البريطانية، ففيما كانت قوات البلاشفة تتقدم أبدى القوزاق يأسهم من الانتصار وانتظروا النهاية، الرجال يعاقرون الخمر والنساء يبكين. وقد تأمل أحد القادة البريطانيين في قرية مهددة بأنه لو كانت القرية بريطانية لهب الناس يقيمون المتاريس والدفاعات ولا ينتهون نهاية رخيصة. كما ارتعب البريطانيون من سوء إدارة المناطق التي يسيطر عليها البيض. انتقد بقسوة صحفي مرسل من جريدة الديلي اكسبريس محاوره الامير أوبولينسكي لكون الحكومة غير كفوءة تماما في الجنوب مقارنا هذا بما في بريطانيا حيث " المسؤولية المدنية عالية جدا".

ليس صحيحا أن الروس كانوا يفتقرون الى "المسؤولية المدنية" بل الى "قدرة إدارية" أضعفها ما نتج بعد الثورة من اضطراب واضمحلت مع حصول التدخل. لقد كانت نقطة النشاط المدني العليا في شباط 1917 عندما نخبة الليبراليين المحافظين والصناعيين الاوتوقراطية قلبت القيصرية وشكلوا الحكومة المؤقتة جاعلين روسيا وفق وصف لينين " البلد الأكثر حرية في العالم". تبنت هذه الحكومة سياسة ضريبة تقدمية وقانونا للانتخاب العام وهو ما سبقت به دول أوربا الغربية بعقد أو أكثر من السنين.

لكن الحكومة المؤقتة فشلت لسببين... تعهدها الانتحاري بمواصلة القتال مع الحلفاء في الحرب العالمية الاولى، وتأخرها بالإصلاحات الحيوية الى حين دعوة التجمع الدستوري وقد كانت مسألة الأرض هي الأكثر الحاحا. عندما قرر الجنود الروس في الجبهة أن السلام والأرض أكثر أهمية من القتال أفاد البلاشفة من موجة الغضب هذه. كانت آخر الضربات هي سقوط الحكومة الليبرالية للبيض في أومسك مقر الحكومة بانقلاب عسكري قاده الديكتاتور الأبيض الادميرال ألكسندر كولشاك وقد كانت إدارتها غير عملية.

يضع روبيرت سيرفس في كتابه (دم على الثلج: الثورة الروسية 1914-1924) الثورة الروسية في السياقات العالمية والعلاقات ذات الصلة من مصادر أصلية من المذكرات والاجتماعات تلقي لنا الضوء على القرارات التي اتخذها الوزراء والثوار، ومثل ريد في كتابها استخدم اليوميات لأخذ فكرة عن تجربة الروس العاديين من الفلاحين والموظفين، كل هذا في كتاب حافل بالإثارة كأنه رواية قاصدا جعل التاريخ " يتنفس هواءه".

لقد أوضح الباحثان أن التدخل الغربي انتهى نهاية مخزية ولم تكن هناك ميداليات ولا نياشين للضباط والجنود  ووقف السياسيون الغربيون بعيدا عن المهانة التي لقيتها قوات التدخل.

ــــــــــــــــــــ

A nasty little war. The west fight to reverse the Russian revolution. Anna Reid.

Blood on the snow. The Russian revolution 1914-1924. Robert Service

عرض مقالات: