منذ عقود اتابع اشتغالات هذا الفنان الذي ينتمي الى المدرسة التعبيرية الملغزة ، فهو يحترف اشتغالات التأويل، ويحترم ذكاء التلقي، عاصم جهاد تشكيلياً ورساماً كاريكاتيراً، يعتني بخطوطه حد الابهار ويعطي مباركته وتمجيده في أحداث الفكرة ومراميها، بعدها يستدرج قارئ نصوصه البصرية الممتعة الى غواية الاكتشاف ولذة إيجاد مغزى واهداف ومبررات اللوحة، أنه فعلا لا يرخص من قيمة الكلام أو التعليق، الا انه بمنح لرمزية الصورة سلطة الأولوية، بعد نضج تجربته واعتماده تقنية التوظيف الرمزي لهموم البلاد ومتاعب السياسية ومتناقضات الحدث اليومي الذي لا ينتظر من الفنان الملتزم بقضايا شعبه أن يركن الى كسل الانتظار والتوقع وتجاوز محنة البوح الذي يتطلبه مشهد حياتنا المتعاظمة الأسف والازمات،، في أغلب مشاهد الحياة، من خدمات الكهرباء الى لعنة المحاصصة وقلة وعي المسؤولين وغرورهم مع بلادة الفاعليين السياسيين واقتصار ظهورهم الاعلامي على الخطابات الجوفاء، لتخرج لنا هذه الفنون البصرية بسردية لونية مدهشة وتعابير صورية تحاوى المأساة بإتقان لمسات التفسير للواقع مع مشاركة المتلقي كمساهم في عملية التواصل المعرفي والجمالي.
في كل لوحة ضحك مبطن وحسرة تأويل وفي اغلب اللوحات نتوقف عند عتبة اكتشاف يومياتنا مع اختمار حرفية الايصال، الذي يندفع نحو البكاء الذي تغلفه سخرية التناول.
انه لم يجد ضرورة في تذييل أعماله بتعليقات قد تخرجها من صمتها الفلسفي، أو تكون مباحة في استسهال لا يخدم رسالة الفن الحديث للاستعانة بحرية وقصدية التلقي الناضج، والصورة الناطقة عنده تكتنز بالوجع المكتوم لعراقيين يحترمون دموعهم في اوج سخريتهم من جلاديهم أنهم ينتقمون ممن يسرقون قوت يومهم بفنون التعبير التي تعري قسوتهم تشتغل لوحاته بالسؤال والدهشة واعتناق مبدأ مغازلة القراءات العميقة ضمن مقاربات للدراما العراقية ذات الشجن المكتوم من سرقات وتجاوزات وقرارات انفعالية، دراما يومية تصلح مادة دسمة لسخرية بطعم هذه المعالجة الذكية، والالتفاتات المزدحمة الأفكار، المتواترة، التي تصيب كبد الحقيقة وتفعل فعلتها التصحيحية التي تتطلبها وظيفة الفنان والمثقف عموما ، لأننا أزاء معركة محتدمة بين مروجي ثقافة العقل وصناعة الجمال مع فريق يريد لنا الانصياع الى سلطة الوهم والتجهيل والانكفاء وخسارات الثروات،،، إذ لم يعد للفن وظيفة الامتاع فقط في مجتمعات تنتظر من خطابنا الثقافي نضالا يوازي مسلسل الخيبات وحجم الخسارات، ولعل هكذا نوع من الفنون البصرية ذات التأثير الجمالي يؤدي فعله الجماهيري والمبدئي في التنبيه وتوجيه انظار الناس واصحاب القرار لمدى فداحة البؤس، بلغة بليغة وانسانية تخرج من اطار البساطة الهادئة نحو التأويل المحتدم والصارخ في بعض الأحيان،، أن هذه التجارب تتناغم وتتقابل مع فنون رمزية متفوقة عن عشاق ومحبي فنون الكاريكاتير العالمي في دول تحتفل بهذا المنجز في مهرجانات عملاقة يفتقدها عالمنا العربي. وهذا المقال التوضيحي المحرض، أقرب ما يكون ادانة مبطنة لعجز وسائل نقدنا الجديد في ملاحقة تلك التنويعات البصرية ذات الفعل الثوري الجماهيري والتربوي والمحمل بمرموزات تساهم في اتساع أفق اكتشاف لذة التأويل عند التلقي العادي أو التلقي الأكاديمي، لتبقى نوعاً من الافصاح عن اعجاب في استثمار أو استخدام احداثنا اليومية وتوجهها نحو قيمة فنية وبوح سردي مختزل يقتنص اللحظات الهاربة في تحويلها الى مقالات نقدية تؤرشف الوجع وتفضح الفساد ومروجي ثقافة التفاهة التي تهيمن في اوساطنا الاكاديمية والسياسية والمجتمعية.