اخر الاخبار

“الميزرة” تعني “المجزرة” وهي المكان التي تذبح به المواشي والأغنام لتزود المدينة باللحوم وقربها أنشأت(الميزرة) وهي المجزرة وتقلب الجيم الى ياء بلهجة أهل جنوب العراق وبعض دول الخليج فيلفظون دجاج (دياي) او الرجال (الريال) وهكذا، تتحدث الرواية عن شخص اسمه (حميد) يعمل حمالا وأمين مخزن في منطقة الشورجة وهو من اهل الجنوب جاء الى بغداد مع عائلته هاربا من قسوة الاقطاع وضاقت بهم سبل العيش هناك، تدور احداث الرواية مابين العهد الملكي وحكومة الزعيم عبدالكريم قاسم، تستيقظ (الميزرة) منذ الساعات الأولى للفجر فهي المورد الثر الذي يزود المدينة بكل الطاقات المتحركة من العمال، ابتداء من عمال البناء بوجوههم التي تبدو عليها آثار النعاس والوجوه المعروقة الجافة والرؤوس الملفعة باليشاميغ والاجساد المتسربلة بملابس عتيقة متنافرة من معاطف عسكرية قديمة وبدلات عمل رثة واحذية يعلوها الطين وبقايا الجص والأسمنت المتيبس ومعهم تخرج جموع الجنود الذين يتهيأون مع الفجر للالتحاق بمعسكراتهم، تكونت الرواية من ثمان فصول و(305) صفحة، نبتت الميزرة في منتصف العقد الرابع من القرن الماضي مثل نبات الفطر خلف السدة الشرقية التي تحيط ببغداد من جهة الشرق، هذه السدة التي انشأها احد الولاة العثمانيين عندما كان العراق واكثر الدول العربية يخضعون للحكم العثماني وتضم الآلاف من العوائل النازحة من الجنوب العراقي وتحديدا من العمارة والكوت هربا من ظلم الاقطاع وسكنوا (الميزرة) التي شيدت بيوتها على عجل من الطين وعلب الصفيح الفارغة وسقفت بحصر القصب (البواري) وجذوع او الاعمدة المتوفرة وكانت متشابهة لم يشعر فيها احد بالبؤس لان كل فرد فيها يعيش البؤس نفسه لذلك لم يشعر احد منهم بما يعانيه غيره كان الجميع يسكنون في بيوت من الطين يصنعها اهل الميزرة بأنفسهم من الارض نفسها التي يسكنون عليها والكل يشارك في البناء الرجال والنساء والاطفال وكان الجميع يحمل كل امراض العالم الفقير البلهارسيا والملاريا والتيفوئيد وامراض اخرى عابرة تحل في ساكنيها وترحل عنهم دون ان يدروا وكانت الامهات تنجب الاطفال في كل عام مثل القطط وكان يموت منهم الكثير وكان ملك الموت يستدرجهم الى اماكن متعددة كغرق في المياه الآسنة في نهر شطيط او تحت عجلات الشاحنات والقطارات المارة من هناك، كانت الميزرة مدينة بلا جذور كنبتة سرخسية ولدت في فترة من الزمن واختفت في فترة اخرى لكنها ظلت تعيش في ذاكرة الميزريين لفترة طويلة من حياتهم، ويشير كاتب الرواية : في يوم من الايام نهض الزعيم عبد الكريم قاسم من نومه مبكرا كعادته وعلى غير عادته قام مسرعا كان يشغله هاجس أقض عليه ليله وجعل نومه متقطعا فقد تذكر انه اعطى وعدا لاهالي الميزرة بان يزورهم وان يبحث مشاكلهم وان يجد الحلول المناسبة لانقاذهم من واقعهم البائس، وقد اشرقت الشمس الخريفية تحمل معها دفئا محببا وتراءى موكب الزعيم بسيارته العسكرية التي كانت معروفة تقريبا لدى اغلب المواطنين لانهم اعتادوا على رؤيته وهو يستقلها مارا بشوارع بغداد خارجا من وزارة الدفاع في باب المعظم او عائدا اليها ملوحا للجماهير بيده وابتسامة محببة لاتفارق وجهه انبرى احد المارة صارخا انه الزعيم انه ابو دعير وصاح باعلى صوته صارخا:

يااهل الميزرة ..الزعيم آت ليزوركم.

وانتقل الخبر مثل انتقال النار بالهشيم وسرعان ماخرجت الجموع في ذلك الصباح المشرق مناديه (عاش الزعيم عبد الكريم) هب جميع الرجال والنساء والاطفال والشيوخ والعجائز احاطوا بسيارته من كل جانب ولم تستطيع سيارة الحماية التي لحقت به من ابعاد المستقبلين امر الزعيم سائقه ان يتوقف على السدة الشرقية المطلة على الميزرة وترجل من السيارة بطلعته البهية وملابسه العسكرية الانيقةورفع ذراعه ملوحا للجماهير الفقيرة التي هبت مرحبة بالزعيم المحبوب انبرى الزعيم مخاطبا الجماهيرالمحيطة به قائلا بصوت مسموع :ياابناء شعبنا العظيم السلام عليكم لقد وعدتكم بزيارتكم والاطلاع على احوالكم وها انا البي هذا الوعد اريد منكم ان تعرضوا لي مشاكلكم تقدم شيخ من الحاضرين وقال بصوت عال :سيادة الزعيم اهلا وسهلا بك..زيارتك على رؤوسنا انا خلف الساعي اترجى منك ان تنظر في طلبين اتصور انهما ضروريان الاول نريد كلوبات (مصابيح)بالجادة لان بالليل من نمشي نتعثر بالحفر وما نشوف دربنا والثاني نريد مزمبلة (حنفية ماء صافي) لان النسوان انقطعت ظهورهن من نقل الماء من خلف السدة ويلاقن صعوبة بالصعود والنزول من السدة وسلامتك الله يحفظك لنا التفت الزعيم الى مرافقه الذي سجل ماقاله في دفتر صغير ثم خاطب الرجل العجوز قائلا: انني اعدكم انني سوف اسكن كل عائلة هنا في دار حديثة مبنية بالطابوق ومزودة بالكهرباء والماء، سنشيد مدينة الثورة التي كملت مخططاتها وهي هنا خلفكم لا تبعد كثيرا وسوف تسكنون في بيوت حديثة تليق بكم مثلكم مثل اي انسان متحضر وسوف تكون مدينة متكاملة من حيث المدارس والمستشفيات والحدائق والملاعب الرياضية وطرق مبلطة ووسائل نقل وسوف نقيم هنا في الميزرة مستوصف مؤقت في القريب العاجل وهنا هتف خلف الساعي عاش الزعيم وتقدم للزعيم وصافحه، هذا ملخص كتاب (الميزرة) احد منشورات الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق للمؤلف راسم قاسم الذي ولد في بغداد - الاعظمية - منطقة نجيب باشا عام 1944 وتوفي في بغداد عام 2019 له العديد من المؤلفات وحاز على العديد من الجوائز

عرض مقالات: