اخر الاخبار

الذين عرفوا " إيزيس كوبيا " الفلسطينية المولد - المصرية الابداع، فاتنة الشعراء والناثرين من الذين بادلوها الإعجاب والصداقة، قالوا يصفونها " أنها كانت ربعة القوام، لم تملأ جسمها، ولم تكشف عن نحافة.

مستديرة الوجه، أما لون بشرتها، فحنطي مشرق باسم شفاف، يجلل وجهها شعر أسود فاحم السواد، تنوس ضفيرته المجدولة أو ضفيرتاه، على عاتقها بربطة حريرية، وتلعب على شفتيها أبتسامة الخفر.

فكانت مي زيادة من أبعد النساء عن الاسترجال، وأشدهن أنوثة، فكانت كل حاسة من حواسها، وجارحة من جوارحها تنم عن ذكائها.

فعيناها اللامعتان، وتعبيرها الحار، ولطف إشاراتها، وحسن حديثها، كل ذلك جعلها تؤثر في مستمعيها بحديثها إلى جانب مافي شخصيتها من الدعة واللين ".

عشاقها.. الجميع كانوا عاشقين، لوجهها الجميل، وقدها الرشيق، وفكرها النير، وثقافتها الواسعة، في الوقت الذي تمنع فيه المرآة من التعليم، ولا يستطيع أحد أن يحدث امرأة غريبة عنه إلا من وراء ستار.

كتب الشاعر اسماعيل صبري، الذي اضطر للغياب عن صالونها الأدبي لعذر طارىء يوماً، فكتب معتذراً عن الغياب قائلاً:

روحي على بعض دور الحي حائمة

كظامىء الطير  حواماً  على  الماء

إن   لم   أمتع   بمي   ناظري  غدا

أنكرت   صبحك   يا   يوم   الثلاثاء

وقد كتب عباس محمود العقاد -عنها أيضا-  مقالاً قال فيه:  " كان ما تتحدث به ممتعاً، كالذي تكتب بعد روية وتحضير، فقد وهبت ملكة الحديث في طلاوة، ورشاقة، وجلاء، ووهبت ماهو أول على القدرة من ملكة الحديث، وهي ملكة التوجيه، وادارة الحديث بين مجلس المختلفين في الرأي، والمزاج والثقافة، والمقال.

جنون امرأة**

إذا دار الحديث بينهم جعلته على سنة المساواة، والكرامة، وأفسحت المجال للرأي القائل، الذي ينقضه أو يهدمه، وأنتظم هذا برفق، ومودة، ولباقة، ولم يشعر أحد بتوجيه الكلام منها، وكأنها تتوجه من غير موجه، وتنتقل بغير ناقل، وتلك غاية البراعة في هذا المقام ".

وكتب محمد خالد غازي فصلا في كتابه عنونه بالمحنة، وختم به كتابه " ايزيس كوبيا وإبداع متألق " الذي تضمن فصولا عديدة عن حياة هذه الأدبية الرائدة، وأنهاها بمجموعة من مخطوطات رسائلها.

وجاء في كتاب"جنون امرأة " كتاب سيرتها والكاتب يصف جمالها فقال: " ان جمال الصورة في مي زيادة،  لم يكن في لمحات وجهها، وحدها، ولا في رشاقة جسمها وحركاتها، وأنما كان نبعه الصافي من اعماقها، ومما أوتيت من بصيرة ملهمة، وعبقرية فاتنة وأنوثة مهذبة. "

ومن الجلي في هذه السيرة، أن (ميا) كانت عاشقة لذاتها، معتدة بنفسها غاية الاعتداد، فهي ترى أنها وحيدة لأبويها، ولهذه الفرادة في نظرها أمتيازات كثيرة، سنلمسها لمس اليد، ونحن نتجول في سيرة حياة مي زيادة.

أن تشكيل ما عاشته مي زيادة كقاصة، وكاتبة مقال عربية من الطراز الأول سيجد أصداء ثيمات فكر اشتراكي فيما كتبت، والكتاب يعرفون عادة صعوبة أن تزيح غبار الزمن عن كاتبة شغلت الناس، وملأت الأسماع، وعلمت أجيالاً من الكاتبات، والأديبات العربيات محبة القلم والكتابة، وأرتياد صالونات الفكر والمعرفة. عاشت مي زيادة معهم أحلى لحظات حياتها، في أحلى عشرة وأحلى علاقة، هي علاقة الأدب، والفكر، وأحترام المثقف للمثقف وقبولها وسطهم كامرأة، لديها ما تقوله لهم، وما تعيش من أجله من نبل الهدف، وعمق المغزى، لما تبدعه من كتابات أدبية أو فكرية تنشرها في هذه الجريدة، أو تلك المجلة.

وقول الرأي المخالف، والدفاع عنه حين يكون في جادة الحق والصدق، من حياة الناس، الملأى بالأراجيف، والأكاذيب والدجل وقول الزور، والمبالغة في النفاق، لكل ذي سلطة وجاه، حتى لو كان مجانباً للحق والعدل والفضيلة.

وربما لهذا السبب، وغيره من الأسباب اتهمت هذه الأديبة، الحقة بالجنون، وتم إدخالها إلى مستشفى الأمراض العقلية في بيروت من قبل بعض أقربائها في لبنان، والهدف كان من ذلك الأستحواذ على ما ورثته من أملاك، وثروة جاءتها عن طريق والديها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

* كاتب عراقي مقيم في المغرب.  

** جنون امرأة “بقلم د. خالد محمد غازي صدر عن وكالة الصحافة العربية / جمهورية مصر العربية – القاهرة 270 صفحة من القطع المتوسط.