تحدث الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط ( 1727- 1804)عن الفلسفة بقوله إننا لا نعلم الفلسفة ، بل نعلم كيف نتفلسف، لأن الفلسفة هي حقل معرفي مستقل عنا، و تعلمنا منصب على كيفية ان نتفلسف، أي كيف نصوغ السؤال الفلسفي؟ و هذا يعني إننا نتجه لمصدرين من مصادر التفلسف نعتمد عليهما في الإجابة على ذلك السؤال المحير لم نتفلسف؟ المصدران هما الذات التي يحق لها التفلسف بشتى ميولها التفكرية
منذ أن أوجد رينيه ديكارت (انظر ديكارت مقدمة قصيرة جدا توم سوريل على سبيل المثال) في الفصل بين العقل و الجسد و قبله بين الشك واليقين) لها مفهوم الكوجيتو ليجعلها قائمة في الوجود الابستمولوجي بمعزل عن الفلسفة ، و اتخذت لها سرباً في فلسفة الذات، و لتشهد على يد فلاسفة الذات تنويعاً مستقلاً بدأ من نيتشه، لكن الذات كقوام فاعل في مسار الفلسفة الغربية الحديثة التقت بتقانات الفينومينولوجيا التي عدتها من كونها ظاهرة يمكنها الانشطار نحو تقانات اكثر تعرجاً ، في اللغة ، و في الهرمنييوطيقا ، لا سيما في في فلسفة بول ريكور ( الذات عينها كآخر ) و تضع العينية في مفهوم فلسفي جدلي آخر في ( الغيرية) في فلسفة ليفنياس.. لكن ثمة جهدا حاذقا وراء كل معطيات الذات في الجهد الفلسفي كما عبر عنها جان فرانسوا ليوتار في الأسئلة التي طرحها في ( لماذا نتفلسف؟) متصوراً إن تأويل الذات لحركة تجليها أو إختفائها تقع في صلب خدعة الفلسفة ، فكما يذكرنا المنعرج الهرمينوطيقي للفينومينولوجيا الذي قام بدراسته جان غراندان في إن التقاء الفلسفة باللغة هو ضرب من خداع اللغة للفلسفة ، أي إن من تقوم بالخدعة في وسيلة التفلسف ليست الذات ، إنما اللغة ، لنضرب على ذلك مثلاً قديما منذ بداية التفلسف عند الإغريق في المثال المعروف لدينا في مسألة وهم الحركة التي برهن عليها زينون الإيلي، إذ لمحت تلك المسألة بين العداء اخيل و السلحفاة إن الخدعة كانت فلسفية مائة بالمائة ، لدرجة انطلت علينا جميعا تلك الخدعة ، و لم يدر بخلدنا إن مصدر الخدعة هي اللغة إلا حينما أبدع ارسطو الأقيسة في المنطق الصوري، ليتبين لتفكيرنا إن لا ذنب للفلسفة إطلاقاً في هذه اللعبة التي صارت في عصر فريجه و بعده فيتغنشتاين تمثل لعبة اللغة و علاقتها بنظريات المعنى ، لكن الذات تبدو غير مبرأة في حالة كونها تلعب في معنى اللغة ، إذ يمكنها أن تفعل أشياء لا تخطر ببال أحد، كما سنفهم ما قام به دافيد لوبر وتون في كتابه ( اختفاء الذات عن نفسها) عندما حاكى فلسفة بول ريكور في تأصيل فعل الذات ، في إمكانية أن تصطنع الغش و الاختفاء عن نفسها ، ليس وفق مفهوم ( الآخر) و لا وفق فلسفة ليفنياس في مفهوم ( الغيرية ) إنما في تخلي الذات عن وجودها في فاعلية ميتافيزيقا الحضور لديها بما يشبه الاختفاء عن ( نفسها) كأنما كان لوبروتون يحسب ألف حساب ليميز بين الذات العارفة في السؤال الفلسفي في تعيين عينه في ال (آخر) فقال بصدد اطراء الذات و تسويغ مبررات اختفائها أمام تحديات نفسها: إن العثور على مقومات الاستقلال الذاتي و الاكتفاء بالذات و الاقتناع بها ، أمر ليس في متناول الجميع، بما إن الذات حينما تجد اختلافها حسب اختلاف الافراد لكن الاكراهات واحدة بعدم توفر الكفاءات المتساوية لديهم ماذا تعمل إزاء الضغوط النفسية سوى اللجوء نحو استعمال هويات مستترة وعبر تقانات مفصلة في استكناهات الاختفاء؟ و تتخذ طرقا متسترة للاختفاء، و أشكالاً متعددة من التعددية الشخصية ، لدرجة تفقد بها عنواناتها الرئيسة كي تغدو طريقا نحو اللااحد، و هذا التشخيص يبدو في غاية الطرافة حيث يتوفر الفنان و الكاتب على وجه الخصوص على امكانية استفراغ الذات، و تعديد الشخوص في الكتابة السردية التي يكتبها او في وجوده ذاته ، أن يتبنى اسماً مستعاراً، أوبأن يجمع بين إمكانيات ان يكون هو ذاته، و بين أنداد متنوعين كما هو حال بيسوا ( فريدناند بيسوا 1888-1935 شاعر و كاتب و فيلسوف برتغالي معاصر بالغ الشهرة ) وهذه الحالة لا نجدها في خاصية الكتابة الأدبية فحسب ، إنما تنضوي عملية الاختفاء لدى معظم الفلاسفة تحت ال- أنا حينما تكون الذات منفصلة عن اناها بمقولة ديكارت : أنا أفكر إذن أنا موجود لقد أقرت الذات هنا بخدعة نفسها في ابتكار الاختفاء طواعية عن مجهولية نفسها في نفسها ، لهذا ابدع لوبروتون في لعبة جر الحبل بين الذات و اللغة ، فلطالما ابدعت الذات مناخات الاختفاء انطلت كل حيلها بمعاونة الغة على الفلسفة ، فهناك أشكال من الاختفاء لا تعد و لا تحصى ليس مجال استقصاء تنويعاتها ، حيث تأتي الذات بأنواع الخدع اللغوية و النفسية التي تمدها بها خدعة اللغة( خدعة اللغة لم يبدو العالم متماثلا في اللغة؟ جون ماكوورتر ) التي لم يلتفت إليها الفلاسفة منذ انقضاء مدرسة الإيليين الإغريق على يد ارسطو، و بعد مرور ألف عام كانت الفلسفة تعتقد إنها تواجه مسائلها و إشكالاتها بمفردها، إلا حينما قامت اللغة بثورتها الألسنية ، و جاءت على يد سوسير و بيرس و بلمسلف باللسانيات لتكتشف، و تكتشف الفلسفة ، و من ورائهما العالم إن أساس خدعة الفلسفة هي الخدعة التي تورط الفلاسفة و المناطقة الأقدمون بأن رهانات اللغة لا تتشابه ( أي إن اللغات ذات منظومة مختلفة)لكن اللغة كانت تمتلك المنظومة الواحدة في كل العالم( دلالة اللغة و تصميمها ر جاكندوف ن شومسكي ) مثلما تحتفظ بعلاقة قوية مع السلطة ( اللغة و السلطة نورمان فيركلف)
فاللغة هي في الأساس تمتلك القدرة على تحريك الذات في بنية التفكر القائمة في اللغة و الكلام، وعبر علاقة السلطة بالخطاب من ناحية و علاقة اللغة بالخطاب من ناحية ثانية فاللغة باعتبارها شكلاً من اشكال الممارسة الاجتماعية تكون ذات سلطة محتكمة على مفاصل التفكير، او بالأصح عملية التفكير التي تعمل على التحكم بالممارسة الذهنية للذات حيال صوغ الخطاب الفلسفي ، و لعل علماء اللغة الذين اكتشفوا اخيرا ان قواعد اللغة واحدة في النشأة و صياغة قاعدة الجميل و المفردات بشكل مدهش و غريب ، ادركوا لم كان العالم متماثلا ، و إن معرفة الاختلاف في التفكر و عملية التفكير لدى الفلاسفة عبر مختلف الدهور كانت اللغة هي المخادعة الأكبر في الآونة الأخيرة.