من الذين يغنون بروحية الحدس الشعري؟ الجواب عن هذا السؤال سيكون خلاصة فعلنا الدراسي هنا.
في البداية علينا ان نفهم ما الحدس وكيف هي طبيعة الحدسي الادبي؟ لعل الاستفهام عن الفرد الحدسي هو ذاته الاستفهام عن الشاعر الحدسي، وتلك المعرفة قد تقود الى الكيفية التي يغني بها شاعر الحدس هذا.. من المعروف عن الحدس والفراسة أنهما من صفات المبدعين، ومن أكثرهم الشعراء. وكون الابداع مرتبطاً بالموهبة والإلهام قديماً وحديثاً فالبعض يتصوره شطحة ابداعية تشبه الصدمة، وقد يقسم الى حدس خالص وآخر راقٍ:" وصف دي لا كروا الإلهام بأنه صدمة الانفعال، وقال إن حال الملهم في لحظة الإلهام كحال من يجذب انتباهه فجأة، عندئذ يختل الاتزان لديه، ويمضي نحو اتزان جديد، وينقطع سير العمليات الذهنية ويدخل في الميدان شيء جديد... وينساب في الذهن سيل فجائي من الأفكار والصور.. ويفرق ديبلي بين نوعين من الحدس، فثمة حدس خالص مباشر، وفي مقابل ذلك يوجد الحدس الراقي، نتبين فيه آثار التفكير الشعوري، لأنه حدس مشيد على التجربة". حين نصف الحدس كونه لصيقاً بالإبداع الشعري فلن نكون بعيدين عن الظاهرة الشعرية الجديدة الواسعة التي تأخذ بالنبوءة على مستوى الطبيعة والبشر. بمعنى يمكننا حصرها بكونها وظيفة تخص الحاسة السادسة، وفي الشعر هي لغة: "يقول برنار بودوان، مؤلف كتاب ”كيف تطور حدسك“ إنّ الحدس وظيفة يصفها الناس في كثير من الأحيان بالحاسة السادسة. ويرى علماء النفس أنه لغة سرية يجب أن نُنصت إليها ونسعى لترويضه". ونحن هنا ماذا نريد من الشعر الحدسي؟
أود القول اننا لا نسعى الى تأسيس لفعل نفسي يخص الابداع، وليس من مهمتنا سوى القول الشعري وما يرتبط به من حدس للغنائية الشعرية، وعليه نريد ان نحدد عن طريق الخبرة القرائية لعدد من الشعراء، ان نحدد بعض ملامح غنائية الحدس الشعري، وهي ملامح تخص اللغة والفضاء عموماً، ولغة وفضاء كل شاعر كخصوصية ابداعية. اننا نرى في الحدس الشعري:
1- انه اغنية للنبوءة الشعرية، لها خصوصية الايهام العذب، والإذابة الغنائية لمظهر الجمال الروحي بالفني مما يكسب الأُغنية خلودَ الإنسانية، إن هو أذاب غائر الحب للبيئة والأشياء بالناس ولغة وجدانهم بنَفَسِ تطريب الأنفس النقية.
2 - في صياغة الأُغنية ترابط نغمي داخلي يحسب على الثيمات أولاً، وعلى القيم ثانياً، وعلى الفضاء الأوسع ثالثاً.
3 - نفترض لشعرية الحدس الشعري خاصية التزامن اللحظي، أي ان النموذج الشعري يُكتب بلحظة فائقة القصر، طويلة الأثر، ويخلق كائناته من العلا لما فوق الوجود.
4 - لابد من وجود لحظة استشرافية تخص ظاهرة انسانية او تقنية ما.
5 - في الصياغة تُجعل الأداة بحجم أهمية الثيمة، أي ان للأدوات اللغوية أهمية دلالية تجاور أهمية التأثير القيمي لكلمات القصيدة او الومضة الشعرية.
6 - لشعر الومضة او اللقطة نموذج يستقل بمشهد يسبق بوعيه عما يسبقه وعما سيلحق به. 7 له جُرأة ولوج الظاهرة الكونية وفك شفراتها بحرية أُتيحت له عفوياً، هذا سيمنح للشعر ميزة ما بعد الحداثة بحيث يتسم بتعدد الدلالات المرتبطة بموضوعات أثيرة كأُسطورة الدموع الرافدينية، وعشق الحكي، وثورة الأشجار والظلال والماء والأعشاش، برؤى اكتشاف وظائف جديدة لهذه الموضوعات الأساطير.
ومن بين من تاقت لهم تجربة الحدس الشعري:
1ـ أحمد ناهم: وملخص تجربته ؛ انه يحاول التوصل الى فضاء يخص معرفته من جانبها الوجداني، (الذهالي، الذهني، التقني)، فالشاعر يرى نفسه آلة تنتج كوابيساً لا حدودَ لها تتعادل فيها (الماديات والرؤى) بمقابل (المعارف الادائية والذهنية)، يتوسل بطرائق التجربة والخطأ المقصود لإيفاء الطريقة حق الانتاج المطلق للحركة الأداتية
2ـ فاطمة الزبيدي: وملخص تجربتها ؛تصيغ فعلها الشعري بمماهاة حدسية تتماشى مع المفاهيم الجديدة لمستقبل شعر الحداثة وما بعدها كونهما مرحلة واحدة في البلدان العربية، اذ الشاعرة تضع لنا رؤية استشرافية حدسية عابرة للحاضر مخمنة للمستقبل، تدمج الشعرية كشعور نفسي بالأدوات الكتابية كفعل مظهري لحدس معنى المستقبل بروحية اليقين.
3ـ نادية الكاتب: وملخص تجربتها ؛ انها تنتج تقنايتها الخاصة بتوليد صورة اشارية لمشهد الجمل الشعرية لمشهد مستقلبي يستشرف المستقبل بحدس شبه فطري، لصورة المبتغى الشعري المتنبأ به شعريا.
4ـ جوانا احسان بلحد:وملخص تجربتها هو ؛ ان قصيدتها رؤى تتصير عالماً حراً، ليس له أرض ولن يرحل الى السماء، تُبنى وتُصمم بتوازن دلالي خاص، يمتص ويبلّغ رسالتها الفنية والثيمية لتغطى فراغات الرؤى المستقبلية للشعر.
ــــــــــــــــــــــــ
(1)مدني قصري، الحدس وميض من معرفة عفوية، إرم نيوز. تأريخ النشر 10 /5/2016