اخر الاخبار

فتحت الممرضة الباب ببطء و دخلت الغرفة، بعد القاء السلام عليها قالت: اراك اليوم اصبحت افضل بكثير من البارحة، كانت تحمل بيدها دفتر وضعته على طاولة السرير، ثم اخرجت من جيب صدريتها البيضاء قلم و وضعته على الدفتر و قالت: تفضلي فبدل من ورقة واحدة طلبتها مني صباح هذا اليوم قد جئت لكٍ بدفتر كامل فاكتبي ما بدا لكٍ سيدتي الشاعرة لنرى ما ستكتبين، تأكدي سوف أقرأها وأهتم بها، مع انني لست من اهل المطالعة لكن من يدري ربما سأحبها على يدكٍ.. ثم مسكت بمعصمها الايسر لتفحص نبضها، وبعدها فحصت درجة ضغطها وأثناء رفع جهاز الضغط عن ذراعها، اخذت المريضة نفسا عميقا وارتسمت على وجهها الشاحب ابتسامة و قالت بصوت هزيل: هذة المرة لن أكتب شعرا بل ساكتب قصة.. 

قالت الممرضة وهي ترفع حاجباها في أعجاب: قصة أممممممممم انا احب القصص، عندما كنت صغيرة قرأت الكثير من قصص الاطفال لكن الان بسبب ظروفي وانشغالاتي لا استطيع المطالعة، ثم ابتسمت و قالت: اذن اكتبي عن القصة التي الهمتك اليوم، لتبقى ذكرى جميلة داخل هذا المشفى الملئ بالاوجاع و الاحزان، انك و الحمدلله تبدين في حالة جيدة من المحتمل ان تخرجي غدا أو بعد غد، حسنا الساعة الان الخامسة، سأذهب وأعود في الليل كي اطمئن عليك قبل ان تخلدي الى النوم..

حركت المريضة رأسها ببطء ونظرت الى النافذة ورأت من خلف الزجاج اخر خيوط الشمس التي حولت لون السماء الازرق الى اللون البرتقالي الذي يكاد أن يختفي وراء قمم الجبال ليجر الظلام وراءه.. قالت في سرها لو كان وعود الناس مثل غروب الشمس لما يأس احد من الانتظار.. سمعت صوت اغلاق باب غرفتها وسادها الصمت بعد خروج الممرضة.

عند حلول الليل دارت الممرضة على غرف المرضى واحدة تلو الاخرى ثم وصلت الى اخر غرفة والتى ترقد فيها الشاعرة، فتحت الباب ودخلت لتجدها غارقة في النوم والدفتر مفتوح على صدرها تضمه بذراعيها، فأقتربت منها و سحبت الدفتر بكل هدوء كي لا توقظها، قبل ان تضعه على الطاولة أخذها الفضول لترى ما الذي كتبته، فجلست على الكرسي المجاور للسرير وبدأت بقراءتها.

القصة الاولى..

عندما كنت امرض وأنا صغيرة، كان ابي يجلس بجانبي ولا يتركني للحظة واحدة يداعب شعري و يقول: قولي لي ماذا تحبين وسأحضره لكٍ حالا حتى لو كان تحت الارض، لهذا كنت احب أن أمرض كل يوم..

القصة الثانية..

تلك الباقة من الزهور التي اشتريتها من بائعة النرجس على عتبة الطريق، ادخلت زهرة تلو اخرى بين ثنايا خصلات ضفيرتي التي جدلتها امام مرأتي، عندما اختلط بياض بتلات النرجس مع خصلاتي البيضاء في شعري أحمرت وجنتاي من الخجل كلون خدودي الناعمة في صورتي المعلقة على الحائط وهي تبتسم لي منذ سنين..

القصة الثالثة..

جلست الرسامة المسنة بكل هدوء و رسمت اربع لوحات.. اللوحة الاولى قٍماط ابيض و الثانية طرحة بيضاء، الثالثة قطعة قماش ابيض، اما اللوحة الرابعة فكانت كفناً ابيض..

القصة الرابعة..

في اليوم الذي أصبحتُ فيه حرة، أطلقتُ سراح  جميع  طيور الكناري  من قفص بيتي..

القصة الخامسة..

وعدني ان يعمل المستحيل للبقاء معي، نسير في طريق واحد ولن ينظر الى الوراء مهما حدث، يحطم من يقف في طريقه، لكن الشيء الوحيد الذي حطمة كان قلبي..

القصة السادسة..

أخفى البخار ما خلف الزجاجة وكأنه ستار سميك وأنا واقفة امام النافذة. حينها تذكرت البيت الشعري للشاعر الكردي (محوي) يقول فيه: (( غصن نرجس بري و بستان الحيرة أنا.. جئت مزهرا و سرعان ما ذبلت مثل الورد..)) عندما كتبتها باصبعي على الزجاجة ظهر من خلال كلمة النرجس واقفاً خلف النافذة!.

بعد ان قرأت الممرضة القصص قالت في سرها و هي تضع الدفتر على الطاولة: سلمت يداك يا أستاذة نرجس، أمِن اجل هذا طلبت مني ان احظر لك ورقة وقلماً؟  أخذت نفسا عميقاً وتساءلت مرة اخرى:  يا ترى من هو الشخص الذي ظهر خلف الزجاجة  من خلال كلمة نرجس؟! نظرت اليها للحظات ثم امسكت بلطف معصمها الأيسر لتفحص نبضها، لم تجدها باردة فقط بل كانت دقات قلبها متوقفة منذ زمن..