اخر الاخبار

يغري نص مسرحية (مملكة الالعاب) للكاتب (محمد حماد) المشتغل اخراجيا في الحقل المسرحي لمسرح الطفل لانه يمثل رهانا اكيدا للمسألة المعاصرة في حياة الطفولة والطفل في ضوء مسائلة التراث والمعاصرة على حد سواء والتوغل فيهما لانتاج جدل درامي بينهما للخروج بمعالجة واقعية وبيداغوجية (تربوية) لمسألة اللعب، فبين ثنائيتي القديم والحديث والتراث والمعاصرة يضع المسار الدرامي مرساته في متن حكائي مثير وماتع، اذ يحاول صاحب دكان لالعاب تقليدية أن يبيع  دكانه مغلقا ابوابه لان بضاعته كسدت ولم يعد احد يُقبل على شرائها، يخبر صاحب الدكان الالعاب التقليدية : الفارس والجندي وراعي البقر والعروس باربي بنواياه في غلق الدكان، وأنهم الان لا نفع فيهم قد واصبحوا من التراث ويجب وضعهم في المتحف ولكن الالعاب تنتفض وتحتج ولا تقبل بهذه النهاية المرة :

صاحب الدكان: لا.. لا.. سأوصي ان يضعوكم في المتحف.. هكذا نحفظ نحن البشر تأريخنا لتتعرف عليه الاجيال القادمة ..

العروسة: وهل تريدني ان اقضي الحياة متجمدة في متحف.. مازالت بي رغبة جامحة في العيش وممارسة الحياة.. أن احيا في الطفولة ..

تحتج الالعاب التقليدية وترفض مصيرها الذي رسمه صاحب الدكان الذي بدوره يلوح لهم بمجيء الهاتف الخلوي (الموبايل) كونه اصبح هو البضاعة الرائجة للطفل هذه الايام لما يتمتع به من مزايا تكنولوجية حديثة في اللعب وجمع عناصر التعليم والمتعة والدهشة في وعاء واحد ، تنصاع الالعاب لرغبة صاحب الدكان بمجئ الهاتف الخلوي، ليجري صراعاً وتنافساً بينهم في ايهم انجع لعبة للطفل ويتحول صاحب الدكان الى حكم عدل يميز بين المتسابقين معلنا فوز احدهم على الاخر في صراع ماتع بين الالعاب التقليدية من جهة والهاتف الخلوي من جهة اخرى ، تنتهي هذه المباريات بنتيجة التعادل بعد ان يتعرف الطفل على مزايا وصفات الالعاب والهاتف الخلوي من خلال هذه المباريات وصراعاتها ،اخيرا يرفض صاحب الدكان اغلاق محله مبقيا على الالعاب التقليدية مضيفا اليها الهاتف الخلوي معللا ذلك :

صاحب الدكان : يا أصدقائي ما توصلت اليه من هذه المبارزات بين الالعاب الحقيقية والهاتف الخلوي انه يجب ان لانترك الالعاب الحقيقية لانها تنشط ابداننا وتمرننا على الحياة المستقبلية وكذلك ممارسة الالعاب الالكترونية يجب ممارستها لان فيها الكثير من التجارب الحياتية التي نحتاجها في المستقبل .

يحذر صاحب الدكان الاطفال من التفريط والمبالغة والاكثار من العب مع احدها دون الاخرى ، وأن نمنح ابداننا قسطا من الراحة حتى ينمو الاطفال بصحة وسلام وأمان هذه هي الرسالة التربوية والتعليمية والقيمية التي اراد ان يقولها النص الدرامي على لسان شخوصه ومن المهم الاشارة الى قوة اللغة المكتوبة في النص وبلاغتها واعتمادها اللغة الوسطى السهلة على مسامع الاطفال والفئة العمرية المنتخبة ، وكتابة اشعار عربية جزلة في محتواها الفكري والعاطفي ومن السهل الممتنع في عودة اخرى لتضمين الشعر العربي على لسان شخوص مسرح الطفل في ضوء تفعيل غنائية الصوت الشعري مع موسيقا الاداء وموسيقا الاغاني المسجلة.

في القراءة والمعالجة والمسرحة

أخرج المؤلف (محمد حماد) نصه وبذا تطابقت المعالجة الدرامية للفكرة مع القراءة التمسرحية فالعرض خرج من رأس واحد لذا فالعرض الذي شاهدناه جاء من رحم نص (مؤخرج) وأحبذ شخصيا هذه الطريقة في اخراج المسرحيات  الدرامية للاطفال وذلك ليتم التقليل من شطط الرسالة البيداغوجية والتربوية الموجهة للاطفال بقراءات قد لا تمثل النص الدرامي وتذهب به بعيدا الى نهايات ومآلات اخرى تشتت الطفل في عملية تواصله مع العرض فالرسالة التربوية والتعليمية اضافة الى الجمالية هي اهم عنصر من عناصر العرض المسرحي الموجهة للطفل من وجهة نظرنا لذا جاء عنصر الاخراج في عرض (مملكة الالعاب) متماسكا ومنضبطا على المستويين السمعي والبصري فعّل منظومة عرضه بالمتعة والدهشة والتواصلية ما بين الخشبة وصالة العرض في ضوء اللعب الادائي مع الفضاء الممسرح وعملية الكشف المباشر امام الطفل القادمة مرجعياتها من اساليب المسرح الملحمي ـ في عمليات تبديل الازياء والتحولات الادائية للممثلين من شخصية الى اخرى اضافة الى بناء المكان المتقشف وخلفيته المؤطرة بالشاشة الافتراضية التي شكلت دكان بائع الالعاب حيث تكدست في الصورة الالعاب التقليدية بعضها فوق بعض للاشارة الى بطالة صاحب الدكان وعدم تمكنه من بيعه لالعابه اضافة لوجود صندوقين خشبيين كبيرين في اعلى يسار ويمين خشبة المسرح وضعت فيهما جملة من الازياء والاكسسوارات ليتم تغيير ملابس الشخصيات عليها بملابس وازياء واكسسوارات جديدة اسهمت في ثراء التنوع البصري للعرض وانتاج عنصري الابهار والمتعة لدى الطفل وتحريك عقله وعواطفه في ضوء الاغاني الجميلة التي كتبها ولحنها المخرج (محمد حماد) ووزعها موسيقيا الفنان (حسين الشامي) اضافت الى العرض نكهة مرحة محببة ساهمت في مشاركة القاعة وتفاعلها مع العرض.

بانوراما الاداء التمثيلي

اما الاداء التمثيلي فتشكلت انساقه التجسيدية على اساس الحفاظ على الشخصيات الماثلة في الوعي الجمعي لدى الطفل وصورة دماه الكلاسيكية وتحويلها الى شخصيات مؤنسنة متحركة من لحم ودم، فكانت مهمة صعبة حقا في انتقالات الاداء التمثيلي لتعدد لبوس الشخصيات واشكالها في العرض فجسد الممثل (حميد عباس) دور بائع الدمى صاحب الدكان بفهم عال للوسائط التعبيرية بين الممثل والاطفال فشكل علاقة تواصلية بين الخشبة وقاعة المشاهدين بلعبه لدور بائع الالعاب وحكم النزالات بين القديم والحديث ولو انه غطى ذلك الزمن الفالت بعلاقة ديناميكية اكثر مع صالة المشاهدين أعني فترة تبديل ملابس وازياء الشخصيات الاخرى لحدَ نسبيا من الملل والرتابة التي جاءت بسبب انتظار المتلقي ظهور الشخصيات بأزيائهم الجديدة ، ولكن ذلك لم يمنع الممثل (حميد عباس) من وضوح صوته وأنتباهه وحسه في المراقبة والتوقيت الدقيق في استلام وتسليم الحوار ، اما الممثلة (اسراء ياسين) فكانت بحق اضافة مائزة للعرض على صعيد الاداء التمثيلي في تجسيدها لشخصية العروسة (باربي) حيث استطاعت ان تقدم (كاركترا) عاطفيا ورومانسيا للشخصية الدمية ناعما حد من خشونة الشخصيات وذكورتها ، فالدمى المختارة اغلبها دمى حربية ومسلحة استطاعت ان تخفف من هذه الحدة وتعطي للشخصية انوثة محببة ومزاجا مختلفا لكن معها كانت تسير قوة الرفض والاحتجاج على نوايا صاحب الدكان في محاولته بيع العابه ورفضها لنتائج الصراع بينها وبين الهاتف الخلوي ، ولا يمكن نسيان اداء الممثل (صادق والي) وتجسيده لدور الفارس العربي بأداءه الاشهاري الصريح وروحه الكوميدية الساخرة المحببة التي اضحكت الاطفال طويلا وقوة ووضوح صوته على الرغم من استعارته لطبقة صوتية جديدة ومغايرة فكان صوتا مسموعا متميزا مشفوعا بأشعار عربية جزلة قيلت بمرح وسعادة ، والممثل (شوقي فريد) بتشخيصه لشخصية دمية (راعي البقر) وهو يشهر مسدساته النارية محافظا على شرف المدينة وعدلها ، ادى شوقي دوره بمرونة ورشاقة حركية فريدة وصوت اجش يحمل في معانيه وكلماته قدرة صوتية على احقاق الحق ولطم الباطل اينما ذر قرنه ، والممثل (مصطفى الطيب) الذي ادى شخصية (لعبة الجندي) وهو يتأبط سلاحه مدافعا عن حياض الوطن وحدوده استطاع تجسيد دوره بمرونة وخفة حركية اكيدة الا ان صوته خانه في كثير من المناطق التي تحتاج الدفع الصوتي وقوة النبر مما ادى الى اختفاء الكثير من كلماته عن مسامع متلقيه ، اخيرا كان للجهد الكبير المبذول من قبل الممثل (منتظر الساري) في تجسيده لدور الهاتف  الخلوي كونها شخصية مركبة قل ما نجدها في شخوص مسرح الطفل ولصعوبة تجسيدها حاول (الساري) ان يجسد تلك الشخصية من منظور حركة (الروبوت) التكرارية واستعارة طبقة صوتية تتلاءم مع حركة الروبوت وايقاعه وقد نجح في ذلك الى حد ما في استقطاب ولفت انتباه المتلقي والتفاعل معه .