للقاص سعيد غازي الاميري، صدرت مجموعة قصصية (نحن .. والبحر ) عن دار ميزر في السويد ٢٠١٩ ، وقد كتب القاص سلام إبراهيم في غلاف الكتاب مقدمة جميلة ٬ القصص تتمتع بتصوير دقيق لمحنة الأنسان العراقي في الزمن البغيض، الزمن الذي يعصف بحياة الناس حين يتحول الهروب من جحيم النظام الصدامي الى جنة يحلم بها المواطن ٬تفاصيل المعاناة الإنسانية التي اسهب السارد في نقل تفاصيلها ليجعلها فيلما سينمائيا موجعاً ٬ اما التفاصيل فقد نقلها بأمانة تصور حجم المعاناة والمكابدة التي لم يتحملها (مزهر ولاعائلته الصغيرة ) فقط انما تحملها كل شعب العراق . في ظل ظروف غاية في الانسحاق والرعب. تفاصيل المحنة التي تحز الروح بسكين الهجرة غير الشرعية ٬ والمخالب التي ينشبها المهربون وقناصي الفرص الذين ينقضون على حياة ومال المهاجر العراقي يستغلون تطلعه للخلاص ٬ والآمال التي تتبخر في عرض البحار٬ يكشف (مزهر) الخسة والدناءة التي يتصف بها من امتهن التهريب بعد ان كان نفسه يريد الخلاص والهروب.
الرحلة التي بدأها (مزهر) بتفصيل ممتع وتصوير دقيق لحياة بسيطة وجميلة لا ينغصها سوى مخالب النظام البعثي الصدامي التي نهشت في أجساد أبناء العراق ٬ والهجرة لم تكن خيارا للعراقيين ولا كانت طريقا سالكا او معروفا في حياتهم ٬ كانت الظروف التي أحاطت بحياتهم داخل الوطن تتحول الى جحيم ملتهب لا يتوقف، والعراقي الذي عرف الاستقرار والثبات والتمسك بالبقاء على الأرض العراقية ٬ ترك كل شيء خلف ظهره املا في أيام خالية من هاجس الاعتقال والتعذيب والخوف والتغييب حتى لوكان ذلك الهروب والخلاص على حساب مستقبله.
دقيقا وصادقا كان (الاميري سعيد) في نقل حجم المحنة التي كان شاهدا عليها ٬ وتمكن من عجن تجربته الشخصية بتفاصيل تلك القصص، وتمكن من النجاح في نقل تفاصيلها التي توزعت بين بغداد والعزيزية وعمان وكوالا لامبور وجاكارتا٬ أيام متنوعة من الرعب والقلق والاقتراب من الموت والمجهول في مسار صحبة أطفال وزوجة يقودهم وسط المحيط الهندي.، لا يعرف مايخبىء لهم الغد. سيارات عتيقة وشقق تمتلئ بالعفونة والتراب، وقوارب عتيقة منخورة لا توفر الأمان، وليل داج ودروب لم يألفها ولم يصورها العقل الباحث عن فرصة الإفلات ، ومدن لم تكن اسماؤها موجودة في المخيلة، واشكال من البشر ولغات هجينة لم يسمعها من قبل ، وصمت مطبق ولامجال للتراجع الى الخلف مطلقا ولأي سبب ٬ واشخاص لم نتعرف على نهايتهم ( سيد عباس ورباح ثامر وثائر الاشوري ونانو وجعفر الفيلي والصديق الطيب إسماعيل صاحب المطعم وأسماء أخرى ). تمكن الاميري سعيد غازي بمجموعته الجميلة أن ينقل لنا صورا صادقة من عذابات العراقيين، وأن يحول تلك الصور الى سطور نتابعها بشوق وبمتعة، وهو ينقل لنا صوراً من الجراح التي طالت الروح العراقية ولم تزل.