اخر الاخبار

ديناميكية الشعر العربي وحداثة أدونيس وفرادة الشاعر العراقي , رائد التطور الشعري , كل هذا جعل حداثة وما بعد حداثة الشعر العربي تميل الى التركيز على الدراما في النثر والشعر في قصيدة الصورة وقصيدة الومضة وقصيدة نص الرؤى المفتوح بما يجعل خط الحداثة وما بعدها يأخذ جدية أكبر . ان الشعراء العراقيين الممثلين لهذا الخط قد استقوا فهمهم وآليات شعرهم الدرامي من شيوع النصية الجديدة في كتابة وتمثيل ونقد الشعر المُحّدَث . بمعنى أن السردية والتناصيّة خاصة بين الحداثة وما بعدها , والتراث أصبحت همّاً أولياً لصياغة  الدراما الشعرية , مما جعل تيارهم يتجه نحو مسائل تطوّر الشكل ليُجْعَلَ مؤولاً مهماً للمعنى . ان  الدراما الشعرية الجديدة للعمل الأدبي تجعل مهمة الشعراء قريباً من مهمة دراما النثر كثيراً , أضافة الى أن النقد العربي ، والمغربي والمصري والشامي بشكل خاص قد فتح آفاقاً أُخرى للفضاء النصي الشعري, ليتوسع ويحتوي الدراما الحديثة المضخمة لشعرية الذاكرة المكانية , ومنها تدجين قوى الطبيعة الانسانية المختلة لتتصالح وتجديد قوى الشعرية المحدثة  كالمشهدية المتممة للغرض الدرامي شعراً , ومثالها كذلك استثمار الميثولوجيا المخلّقة لأغراض دراما الشعر. قد يلاحظ الدارس للدراما الشعرية الجديدة اننا نجد :" في أقصي حالات المسرحية الغنائية أوبرا تكتب نظماً من البداية إلى النهاية , وفي الطرف الآخر نجد المسرحية التي تكتفي ببعض الأغنيات مثل المسرحية التاريخية الشهيرة (صوت الموسيقي) التي كتبها ريتشارد رودجرز وفيما بينهما تتفاوت درجات مشاركة الشعر بهذا المفهوم في المسرح شعراً ونثرا وأيضا كذلك يبرز الغناء والتمثيل لتجسيد الشعر المسرحي"(1).ان القصيدة الدرامية كما تبلورها القصيدة العربية ... قد بدأت في عصورها الأولى شعرية  صحيحة ، وعودة الشعر إلى الدراما بحلتها الحديثة المبتكرة " يمثل غاية لإغناء هذا الشعر بالعناصر الدرامية ... التي يرتفع فيها الشعر إلى مستوى التعبير الموضوعي في لغته وصوره وإيقاعه وبنائه المتكامل والمعقد "(2). تقديمنا هذا لما حدث للقصيدة والدراما من الزاوية التجريبية المرتبطة بتاريخ تطور المسرح الشعري عموماً , اما الآن فصارت تاريخاً ماضياً بالقياس لفهم الأحدث والدراما الشعرية العالمية, هذه التي تنغمس في المشهدية والتصعيد الحدثي وتقاطع المواقف بآليات شعرية تحيل مباشرة الى الشعر قبل أي احالة لاحقة , فمثلاً الايماء بالدراما في الشعر ليس نصاً درامياً , لكنه يوحي بذلك دون تصريح مباشر. وقد يعطى للحوار (مثلاً) هدفاً وقيمة لكنه يصير حوار طبقات فكرية او اجتماعية او تراثية. وقد تتم عملية تصعيد الحدث (ليصير مشهداً) لتصاعد متسارع نحو نهاية تشبه ضربة القص , لكنه حدث سنفهم انه مادة من تخيل ذهني او ذهال لا يمكن لمس صورته . ان سلوك الدراما الشعرية للحداثة وما بعدها ـ يهمنا منها ـ  ليس المسرحة الشعرية الخالصة وليس الدراما الحدثية الخالصة , انما المشهد المتحرك للصورة الشعرية بالإيماء والإشارة , بمساعدات الديكور ـ على سبيل المثال لا الحصر..ان تجارب الشعراء تعطينا فكرة واضحة عن مقاصدنا . سأقدم لمحة موجزة جدا عن تجاربهم كإجراء عملي يحتوي التوضيح المطلوب لا غير .. لنتابعهم على النحو الآتي :1ـ ابراهيم الخياط : انه بشعره أرسى طرائقه خاصة لدراما الشعر عبر قيمة الايحاء بالدراما لا الدراما التقنية الممسرحة تماماً , انما هو في قصيدة قلبي على قلبي ـ تحديداً ـ يجعلها مفارقة صورية سردية تحيي طقس دراما الفقدان . 2ـ بينما الشاعر عبد الأمير محسن فهو يقدم دراما الشعر بطريقة أخرى ؛ يمكنني ايجاز طبيعتها على انها تخييل شعري عنيف يتقاطع مع العملية الدالة على الانشغال بالتصور الذي لا يحتمل أي وجود لأدوات العنف , يضع خصوصية الخصب الجمالي المنتج للصور القولية شعراً ونثراً كحل أوحد لمستقبل الإنسانية. 3 ـ اما الشاعر رعد مطشر ؛ فيُتْبعُ شعره بنظام الخلودات وهي الثوابت الجمالية التي استند عليها خاصة مشهدية الافتتاح الضوئي والمثال النصي الذهني والتبطين الذهالي للمكتوب بمفارقة الصورة الظاهرة التي تعاكس فضاءها الزماني والمكاني . رعد مطشر يوزع مشاهد الدراما الشعرية بوعي لتقنيات الجدل لفكرة (اللامعقول) المتجه صوب حداثة كارثية تحيل الى كارثة ما بعد حداثة لا يقينية المعايير. 4ـ بينماالشاعرة غرام الربيعي تميل لان تعيد للشعر دراما تقاطع الأفكار والافعال (الأحداث), مستثمرة الصياغة الشعرية التي تختزل وتوجه وتفاعل الأطراف بالمضامين التي تمزج الخمائر والثيمات فتعطي ذبذبة ذهنية او ذهالية أحياناً ، ونبوئية مرات , عبر جدل لدراما حاوية على فكر حداثي يتجاوز التاريخ لصالح الحدث الذهالي للشعر كونه حدثاً لما بعد حداثة  شاعرية للمشاعر الحدسية التي لا تطالب بالصدق اوالمخاتلة , انما شعرها مشهد يتبصر الشعر بمنطق التقنية  المسرحية . ان شعرها يقترب من الإيجاز البلاغي شديد التكثيف , لا يضحي بالشعر ولا يبتعد عن تقنية الحوار الفكري بين قوى الدراما الشعرية. 5ـ وقد جربت الشاعرة ساجدة الشويلي طريقاً يخصها, فهي تنحو الى تخصص اسلوبي يقع بين الصورة والومضة والقصيدة برؤى تحتفظ بخصوصية شعرية تقع ضمن حدود القصر الشديد للجملة وشبه الجملة الشعرية, والتدرج السردي الدرامي الذي يؤشر قصدية القص الشعري لا عفويته, والدنو كثيراً من الفلسفة المثالية كتبطين نسقي لدلالات الاستثمار الشعري.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر المساعدة

(1) حسام محمود , عرض كتاب الدراما الشعرية بين النص والعرض المسرحي الدكتور أحمد سخسوخ . مجلة الوطن العمانية , تأريخ النشر 6/7/2017

(2) د. احمد القنديلي , الدراما في الشعر العربي المعاصر, مستقى من كتاب مملكة الأصوات ومرآة الفتوحات  ـ د . محمود جابر , سلسلة عالم الفكر، ع: 2، المجلد 30 أكتوبر / ديسمبر: س: 2000 ص: 160. أعيد النشر في الحوار المتمدن الالكتروني , بتأريخ 9/3/2018