على أروقة ومساحة كاليري الأورفلي للفنون في عمان، أفتتح مؤخراً، المعرض الشخصي للفنان العراقي المغترب غسان غائب، (المقيم في كاليفورنيا)، تحت عنوان "كن شاسعاً كالهواء"، الذي ضم مجموعة من أعماله المتنوعة القياسات والخامات، وهي أخر أبحاثه وتجاربه الفنية في عالم الفن المعاصر العالمي.. والذي ينتمي إلى الإتجاه (المفاهيمي/ التجريدي/ المختزل) المنفذ بتركيبات "الأنستاليشن".
وتجلى تجربة غائب الجديدة، في فكرة الصعود/ الإرتقاء، والنزول/ النهاية، أو الارتقاء والتجلي كحالة مضادة للهبوط والنزول في الفكر الانساني وذلك باستغلاله لشكل المثلث. في تناول مفاهيم انسانية هادفة، هي فلسفة فكرية إنسانية رؤيوية في خيال وضمير الفنان، على انها تحمل الذات الجمعية الشاملة فكرا وقيما روحية ومادية تتطلع إلى محاولة تعظيم وتجلي الذات إلى مستوى اعلى وأكثر سمو.. وقيمة فكرية وإنسانية عالية المقام. وحصيلة هذه الفلسفة للذات الجمعية شهدت حياة الانسان صروحاً معمارية مختلفة ذات سياق وطقس روحي ديني إجتماعي، كـ: (بناء الاهرامات في مصر، وأشكال الزقورات في العراق، وشموخ صروح الازتيك، والمايا.. إلخ) وقد شكلت هذه الفلسفة الفكرية وعياً ضمنياً للصعود والنزول على هيئة مثلث، تعتمد على ترسيخ بناء القاعدة الأساسي ومن ثم الإرتقاء والصعود نحو الأفق العلوي. وفي سياق مغاير يكون التطلع إلى أسفل مما يشكل حركة ديناميكية صيرورات متعاقبة (أعلى- أسفل - أعلى).
ولهذا اقترن المثلث الضمني والفعلي بسياق روحي ومادي (معماري) يوحي بالامتداد والعمق والجلالة والسمو.. والبهاء.
وهو بالتأكيد طرح شخصي خاص، لفنان يبحث عن الموضوع المتجدد في حياتنا اليومية، قد يكون فن ثورة، أو ثورة فن في دواخله. قد تكون نوازع إنسانية أو أفكار غير مطروقة سابقاً، لا سيما وانه قدم عشرات الأفكار على منوال هذه الرؤى المعاصرة حيث الإختزال التجميعي ما بين الفن كرسالة جمالية بخاماته الطبيعية المتعددة، والأفكار الموضوعية بمخاضاتها الإنسانية المنبثقة من أحداث الحياة أن لم تكن من صميم واقعنا أصلاً.
كما انها عودة لصور الحياة الطبيعية البكر ولكن بصيغة أكثر عصرنة. أشكال وصور يدعو فيها الفنان غسان غائب للإجتهاد الفكري المتطور مع متطلبات العصر وعدم الرضوح للأفكار الراكدة أو البالية، من أجل تواصل الحياة مع الجميع.
وهذا لم يأت إلا من خلال تراكم فكري عميق وطويل، ما بين خيال أو تخيل، وذاكرة مكان وزمان في السلم والحرب... هي أفكار ليس إلا.. رهينة المستقبل والوجود، قد تسود في يوم ما أو لا.. ولكنه في كل الأحوال يحاول أن يجسدها بخروجه من اللوحة الكلاسيكية المقيدة بسجن الإطارات الخشبية.. إلى رحاب وفضاء فن "الأنستاليشن"، على وفق معايير ومفاهيم خامات ورمزيات موجودات حياتنا التي يعيشها الجميع.
هذا الاحساس بالتجلي والسمو والرفعة فوق الواقع، لمسه الفنان غسان غائب، قائلاً: "عندما كنت بعمر ١٢سنة وفي زيارة مع العائلة إلى أهرامات مصر ومن داخل الهرم وفي طريق الصعود إلى غرفة الفرعون في قمة الهرم كان الصعود بطريقة تجبر الشخص على الانحناء وذلك لانخفاض السقف وحتى النزول يكون بشكل منحني وعودة للوراء كنوع من التبجيل لعظمة وسمو الفرعون.. وشكل المثلث مصدراً روحياً ومعرفياً في مشروعي الفني لمًا يمثله من بساطة واكتمال وعمق يوحي بوحدة بصرية في جوهره".
وهكذا حاول غائب استخدام درجات السلم "المادية/ الرمزية" على هيئة مصطبات كتجسيد مادي مضاف لفكرة الارتقاء والنزول بحركة ديناميكية تشحن العمل بحس معماري وكعمق مضاف يحيله إلى سمو الذات وتجليها المستقبلية.