صدر كتاب جديد لفالح الشلاه (بعنوان (قصصي أنا) عن مؤسسة دار الصادق الثقافية 2024، وتوزع بين مجموعتين الأولى حملت عنوان الكتاب ذاته وتضمنت أربع عشرة قصة وعنون المجموعة الثانية بـ (في بيتنا جرذ) وتكونت من ست قصص.
تدور أحداث القصص في محلة قديمة بأزقتها وناسها وهي عبارة عن استذكار لأحداث وشخصيات تعايش معها الكاتب وكانت جزءا من ذكريات المؤلف ومعايشة الحقيقية لتلك الشخصيات، وهذا ما يؤكد صدق مشاعره، ووجدت أن الراوي كان حريصا أن يكون السارد الوحيد لكل قصصه. ولم يعط فرصة لأي شخصية أن تعبر عن ذاتها سواء بحوار أو باسترجاع، وهنا وقع القاص بمطبات سردية وحول النص إلى مذكرات تناول فيها ذكرياته في زمن غابر، على الرغم من وجود إشارات لواقع الحال من جانبه السياسي والاجتماعي. وقد حاولت أن أجد منفذا يؤكد لي أن ما يجري في النص هو ليس رأي الراوي العليم لكني لم أجد شيئا، وهذا ما يؤكد أن هناك غيابا تاما لحركة الشخصيات في النص المنشور مما يحول السرد القصصي أو الروائي إلى سرد مذكراتي أو استذكاري وفي قراءتي للنص وجدت أن جميع القصص، عبارة عن استرجاع للماضي وقد تناول شخصيات شعبية يعرفها في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات أو بعد هذه الأزمان عرفها قبل هربه من سلطة ظالمة لا سبيل للعيش في ظلها وعندما عاد بعد غربة طويلة وجد الواقع كما هو: الناس لا زالت تعاني من البؤس ذاته لكنه تشبث بروحية التعاون، وجرى استحضار أبطال قصصه مع الحي والزقاق أي المكان ومن هؤلاء (والدة الراوي وعباس الشرطي ولميعة الحفافة، وعلي حداد السكاكين وخياط الفرفوري وسليمة الخياطة وشكرية الغزالة وحجية حليمة، وكميلة الخبازة، مرضعة الراوي، ومولدته مامة جواهر وملة صبرية وعودة الجرخجي الذي كان حريصا على أمن المحلة وحنون أبو الكركري وشعر البنات وريسان الخباز) وهناك شخصيات وهمية مثل الطنطل أو المدعية مثل المنجم وعطارد الفوالة التي وصفها بالكذابة تدغدغ مشاعر الجاهلات...لغة القصص واضحة عربية فصيحة وأحيانا يستخدم العامية. والكاتب تنقل في استخدام الزمان والمكان بين الحاضر والماضي وأحيانا يربط بينهما ويتطرق إلى مواقف وطنية وسياسية معاصرة. وجدت صعوبة في أن أجعل من هذه القصص فصولا لرواية واحدة. لكني وجدتها أسهل في المجموعة الثانية (في بيتنا جرذ). ولابد من الحديث قليلا عن فكرة (قصص الرواية) التي تجسدت بأعمال روائية عالمية وعربية وعراقية: عالميا بدأت في راوية (بطل من هذا الزمان) لميخائيل ليرمونتوف وتتكون هذه الرواية من خمس قصص نشر ثلاث منها في ثلاثة أعداد من مجلة واحدة ثم جمعت مع قصتين لتصبح رواية رائدة ظهرت عام 1840. وقد ظهرت عدة مصطلحات لهذا النوع من الفن السردي منها الرواية القصيرة أطلقته دكتورة لطيفة الزيات. قصة (رواية) أطلقه برهان الخطيب. أما أنا فسميتها (قصص الرواية) وأصدرت كتابا تحت هذا العنوان وتناولته بشمولية لكل هذه التنظيرات دون المساس بالمصطلحات الأخرى: الرواية، القصة القصيرة، القصة القصيرة جدا. وعلى هذا الأساس أجريت عدة دراسات تطبيقية منها: رواية (ذلك الصيف في اسكندرية) لبرهان الخطيب، (حكايات دومة الجندل) لجهاد مجيد، رواية (مدينة الزعفران) عباس خلف، جمجوم – متتاليات قصصية أحمد عودة، رواية أنا عشيقة الوزير لجاسم المطير، (ميرامار) و(المرايا) لنجيب محفوظ يقتربان من هذا المصطلح، ورواية (السفينة) لجبرا إبراهيم جبرا، (خمسة أصوات) لغائب طعمة فرمان تمثل كثيرا من سمات قصص الرواية، حدائق الوجوه (أقنعة ووجوه)، (كراس كانون) و(بصرياثا) وقد تحاشى محمد خضير تجنيس كتبه هذه في الرواية، ووجدت أن رواية (ريم وعيون الآخرين) لعباس الحداد تندرج ضمن هذا الإطار، وبهذا المجال يرى باختين أن دستويفسكي هو خالق الرواية متعددة الأصوات. وبودي أن أشير إلى أن مجموعة قصص القاص فالح الشلاه المعونة (في بيتنا جرذ) تنتمي إلى قصص الرواية لأني وجدت أن كل قصة يمكن أن تنشر لوحدها وفي حالة جمعها بكتاب تشكل موضوع رواية. حيث أن القاص افاد من رمزية الجرذ وجعلها شخصية في قصصه الست ومن خلالها أعطى صورة عن واقع المجتمع وما يجري به من مشكلات بين البشر قد تفوق ما يرتكبه الجرذان: ففي القصة الأولى (يوم السعد) يجعل الجرذ سببا في عقد علاقة عاطفية بين رجل وامرأة. ويحاول اقناع القراء “ بأن واقعنا والجرذان سيان “ في تقديم الأذى. وفي القصة الثانية يستمر صراعه مع الجرذ الذي يعبث بمكتبته وفي القصة الثالثة يدخل الجرذ بحوار معه عندما يشاهد مجموعة من الرجال يدخلون بيته ويشبعوه ضربا ويدمروا مكتبته فيقول الجرذ: نحن متعادلان بفارق أنت من يلاحقني وليس أحد من أفراد فصيلتي. فيرد عليه أن ما شاهدته سببه: “ صراعات فكرية وسياسية”.
وفي القصة الرابعة يحاول الكاتب أن يفرق بين جرذان الأمس واليوم. فهم كانوا يفتخروا بأن لديهم في بيتهم هرا اسمه سوادي وقد حزنوا عليه كثيرا عندما دهسته سيارة. وفي القصة الخامسة يشتري الراوي قطا أجنبيا بديلا ولكنه يظهر بمرور الزمن أنه قط مسالم لا يرغب بملاحقة الفئران مما سبب لهم ازعاجا فقالوا: أنه قط “ حيادى كقوات الأمم المتحدة وحفظ السلام الدوليين، ليته ديوثا مرادفا لقادة عروبتنا أو مسؤولا حكوميا من جحافل الطارئين لينهي روايته بكلام الراوي مع الجرذ المسجون لديه، ويقرر عدم قتله، ويطلق سراحه قرب النهر المكتظ بالقطط فتهجم عليه قطة، لكنه يفلت منها ويساومها مقابل حريته يدلها على مكان فيه لحم الجزارين. ومع هذه الملاحظات أرى أن فالح الشلاه يحاول أن يقدم نصا فيه معلومات وتصورات، مبتعدا عن التقليد وباحثا عن الجديد.