ضيّف الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، ضمن فعاليات مهرجان الجواهري في دورته الـ 15 التي اختتمت السبت الماضي، نخبة من الادباء والشعراء العرب، بينهم الشاعر والكاتب المغربي المعروف محمد بنيس. وقد استثمر الاتحاد فرصة وجوده في بغداد، فأقام له جلسة خاصة تحدث فيها عن مشغله الفكري والشعري، وعن مشاهداته للحياة اليومية في بغداد، فضلا عما تعيشه المنطقة راهنا من تطورات ارتباطا بالقضية الفلسطينية.
أثق بالشبان العراقيين
قال بنيس انه “في الوقت الذي نتحول فيه من مجرد باحثين عن معنى ان نعيش ونكون، ولا يكون بحثنا مجرد تلاعب بالكلمات والقيم والمواقف، عندما يكون حقيقيا، فنحن نكون في منتصف الطريق للوصول الى ما نريد الوصول اليه. وهذه هي الفضيلة التي علمها لي السؤال، لذلك انا قبلت ان أكون في الهامش واحيا بقوة الهامش، واحب العزلة التي أعيش فيها واخترتها من اجل الحرية التي لا اتخلى عنها. لذلك فانا اظن ان الشبان العراقيين الذين التقيتهم، لا ابالغ ان قلت انهم يمثلون اجمل مما كنت انا في زمني، ويحلمون اكثر مما احلم، وانا واثق ان هؤلاء الشبان سيكون لهم كلمتهم وزمنهم”.
كتاب فلسطين ذاكرة المقاومة
وأضاف يقول: “منذ شبابي بدأت اتعلم كيف اكتب عن فلسطين، وكنت الاحظ ان الكتابة عن فلسطين سهلة في الثقافة العربية، وكل شخص يريد ان يكتب ويصبح بطلا لمجرد انه يكتب عن فلسطين. وهذا كان يزعجني كثيرا، لأنني كنت شديد القراءة ومهتما بما يجري في اكثر من مجال ثقافي. لذلك كتابتي عن فلسطين جاءت الى حد ما متأخرة، لانها مرتبطة بسؤال الكتابة. وسؤال فلسطين بالنسبة لي هو سؤال الكتابة، والكتابة عن فلسطين ليست بديهية وارتجالا، هي شيء آخر مختلف. لذلك عندما كنت اكتب كانت علاقتي تزداد عمقا واتصالا بأهم الأسماء العربية والفلسطينية والأجنبية، التي تشتغل على الحقل الفلسطيني والحقل الثقافي”.
وأشار بنيس مضيفا: “كان الكاتب عبد الكبير الخطيبي في المغرب مثلا، اول مثقف عربي في فرنسا يصدر كتاب (الحمّى البيضاء) للوعي الشقيّ الصهيوني، وهو الكاتب الذي كان له الامتياز في فرنسا، فوجد نفسه امام حرب شديدة من طرف الفرنسيين، صحفيين وكتابا. وقد كتب هذا الكتاب نقدا لدموع جون بول سارتر، الذي كنا في الستينيات نجعل منه كل شيء في المواقف السياسية والمصيرية، فاصبح يتباكى على إسرائيل بعد حرب 67.
وكان الخطيبي قد كتب بشجاعة هذا الكتاب، وفي الوقت نفسه كتبت مجموعة من المثقفين في مقدمتهم عبد الله العروي. وهذان الاسمان كافيان لتبدأ لنا ثقافة أخرى مختلفة للنظر الى فلسطين والكتابة عن فلسطين”.
صداقة وحياة طويلة مع محمود درويش
واستمر في حديثه قائلا: “كان الحقل يتسع والمعارف تتسع، وكان من أكبر الأصدقاء الذين التقيت بهم وتشاركنا حياة طويلة هو محمود درويش، الأخ والصديق، وعشنا أشياء كثيرة مشتركة. كما تعرفت على ادور سعيد ونخبة من الفلسطينيين الصفوة، وكنت اشترك معهم في قلقهم واسئلتهم وروحهم النقدية، وكل واحد منا يعرف هذا التاريخ الذي لا يمكن ان ننساه”.
وأكمل بنيس:”عام 2017 تكلم معي اخوة فلسطينيون عما كتبته عن فلسطين، ووعدتهم ان اجمع ما كتبته في كتاب. ولم أكن اعرف متى اجمع هذه النصوص، ولكن عندما أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن صفقة القرن، بدأت اعمل على هذا الكتاب. والتقيت بمجموعة من الأصدقاء الفرنسيين وتتبعت مجموعة من المنشورات التي نشرت وكانت مهمة جدا، ثم ما توفر في مكتبة معهد العالم العربي من اعمال خاصة بفلسطين، بمعنى ان الكتاب بدل ان يكون جمعا فقط لما كتبته، وهذا نعيشه في حياتنا، اردت له ان يكون على غير مثال، ان يكون هو نفسه عملا ابداعيا”.
المقاومات المتعددة
واستطرد مضيفا: “بدأت انظر اليه لا كمجرد كتاب عن فلسطين، وانما بدأت بالكلمة الأولى وهي “المقاومة” التي تتحول الى مقاومات متعددة، وثانيا المقاومة بالمعنى الثقافي، وهذا كنت الاحظه دائما، ان المقاومة والمساندة للفلسطينيين كانت مساندة سياسية ونقابية وبالدعم المالي، وهذا جميل ومهم. ولكننا ننسى شيئا اكبر من الكبير، وهو الجانب الثقافي، لان الحركة الصهيونية عندما قامت، قامت على كتابات ورؤية ومعارف ومراحل من البناء، فكنت الاحظ ان معرفتنا بالصهيونية هي معرفة إعلامية وسياسية ولا نعرف أشياء بالملموس”.
التعرف على جذور الفكر الصهيوني
وقال بنيس مضيفا: “من الأشياء التي قمت بها أولا، التعرف على جذور الفكر الصهيوني منذ بدايته في الاندلس ثم في التاريخ، لأصل الى نقطة نادرا ما ننتبه اليها، وأقصد الفرق بين الصهيونية الدينية والصهيونية الترابية كما عبر عنها هرتزل. فالصهيونية الدينية كان صاحبها الشاعر اليهودي الاندلسي يهودا هاليفي، الذي كانت له أناشيد إسرائيل، وكان في طريقه الى القدس وتوفي في مصر، وتحول الى مرجع لليهود في اكثر مناطق العالم، وتحولت قصائده الى أناشيد دينية. وهذه الرؤية الدينية تعود لفكرة ان الصهيونية يجب ان ترتبط بفلسطين والعودة الى فلسطين. ولكن من بعد، أي في القرن التاسع عشر، وعندما وقع ما وقع من مذابح لليهود في بروسيا، التي تعرف اليوم باوكرانيا، بدأ الوعي الصهيوني يتبلور في بيانات. فكان كذلك بالنسبة للروس ثم في المانيا ثم لدى هرتزل في بولونيا. اذاً هناك الكثير مما يقال في هذا الجانب”.
ويكمل الشاعر المغربي حديثه بالقول: “المهم ان هرتزل كان علمانيا وقويا، ويهمه ان ينشأ بلد ما في العالم يطمئن فيه اليهود ويمكن تسميته وطنا لهم. لذلك كان الحديث عن 13مكانا تقريبا في العالم. وكانت الأبواب مسدودة ومجموعة داخل الحركة الصهيونية ترفض اختيار فلسطين. ولم يتم إقرار فلسطين في النهاية الا في سنة 1905 أي بعد وفاة هرتزل بسنة. لانه عندما كان على قيد الحياة كان يقف حاجزا ضد فلسطين، وهذا المعطى الأول يعطينا الكثير من الأشياء”.
ولفت بنيس الى ان “كتاب هرتزل بالألمانية عندما ترجم الى اللغات اللاتينية، ترجمت فيه تسمية الدولة اليهودية، بينما الدراسة الأخيرة التي نشرت حملت الترجمة الحقيقية وهي دولة اليهود وليس الدولة الهودية، فاصلة بين ما هو ديني وما هو قومي”.
معرفة عقلانية وعمل ابداعي
واوضح بنيس الطريقة التي اشتغل عليها في كتابه عن فلسطين فقال: “بدأت ابحث عن اولئك المقاومين الكبار. وكانت الكلمة الأولى للفلسطينيين ولكبار الفلسطينيين، وجميعهم حاضرون، ثم رمزيا للمغاربة لأنني مغربي، واعطيت الكلمة لكبار المغاربة، ومن ثم أعطيت الكلمة لليهود الذين كانوا ضد الصهيونية، ومن ثم لمفكرين وفلاسفة وادباء من العالم مناهضين للصهيونية. وهذا كله وضعته في رؤية معرفية وابداعية، تركز على كوننا بحاجة الى معرفة المأساة الفلسطينية معرفة عقلانية، تستند الى الوثيقة التاريخية والى الفصل بين ما هو ديني وما هو غير ديني. فانا لست مؤرخا للقضية الفلسطينية ولست مؤرخا للفكر اليهودي. انا بروحي كمبدع وشاعر وكاتب، جعلت من هذا العمل امتدادا لأعمال أخرى، لأني لا افصل بين الفكر والابداع، وكل شيء أحاول ان احوّله الى عمل ابداعي”.