اخر الاخبار

لا يعرف العلماء ما ستؤول اليه البشرية في المستقبل بعد القفزات العلمية الهائلة التي تحققها التكنولوجيا كل يوم وخاصة في العوالم المتحضرة وبروز آلية الذكاء الاصطناعي الذي سيضع العالم أمام مفترق طرق أما بإستخدام العلم بآخر تقنياته بحيث يكون العقل الإنساني وطاقاته الكامنة هما السبيل الوحيد لمواجهة هذا النمط من التفكير الذي فرضته تقنيات الحاسوب والشبكة العنكبوتية وآخر توصلات العلوم الرياضية والخوارزميات. هذا الذكاء لن يلغي العقل بل سيأخذه الى عوالم لم تكن مألوفة في السابق بل ومستحيلة وسيخلق للانسان عوالم افتراضية ووفرة معلومات مذهلة بحيث تؤدي الى تحسين انتاجيته وادائه سواء كفرد أو كمؤسسة وزيادتهما عن طريق توفير الطرق العلمية وأتمتة  العمليات الحسابية والانتاجية بدلا من القوة البشرية التي كانت تستخدم في السابق. الذكاء الاصطناعي يعمل على فهم البيانات على نطاق واسع لا يمكن للانسان او الجماعة مهما كانت قدراتهما على تحقيقه، وهذا يوفر مزايا كبيرة ويعمل على تنمية قاعدة عمل الافراد والشركات ويضيف الذكاء الاصطناعي التعلم الآلي الى الأعمال التقليدية والتطبيقات وبالتالي سيحسن من أداء المستخدم لهذا الذكاء وتعزز من قدراته. هذا ما يحصل في الغرب والعالم المتحضر من تطور علمي تقني وقفزات حضارية وعمرانية هائلة. الذكاء الاصطناعي لم يأت اعتباطا بل من ثورة صناعية وعلمية وتقنية استمرت لقرون حتى وصل الى مديات بدأ يخرج، هذه السنين، عن طاعة العلماء وتمرد عليهم بحيث وضع البشرية في حرج وبداية خروج المعقول الى اللامعقول وما كان يعد في السابق ضمن الاساطير والخرافات والاوهام أصبح اليوم ممكنا تحقيقه، بل بدأ الذكاء الاصطناعي بخلق أساطيره الخاصة به التي هي ضرب من الجنون بالنسبة الى انساننا التقليدي في عالمنا الثالث. السؤال الذي يتبادر الى أذهاننا ما الذي سيصادف شعوب الشرق الذي مازال تفكيرها مغلقا عند العصر العباسي الوسيط ولا يستطيعون التحرر من اليقينيات التي فُطروا عليها من يوم تفتحت اعينهم على الحياة وأبقتهم أسرى اليها أكثر من عشر قرون. العيش في الماضي وأفكاره كارثة ما بعدها كارثة لأن أسرى الماضي السلفيون لا عداء لهم سوى للعلم لانه، بنظرهم، يخرجهم من ايمانهم الى الظلال والشرك والشك، لذا فان هذه المجتمعات تظهر للباحثين في أحوالها وكينونتها وما ينتظرها من مستقبل متقهقرة متراجعة لا تقوى على التقدم الى أمام لأن هناك الكثير من العوامل، مادية ومعنوية، تعمل على بقاءها تراوح في مكانها وإن تعاملت مع العلم لا يتعدى شكلا صوريا مستوردا من الخارج وليس من نتاج واقعها وعقلها الوطني وهذا ما نلاحظه في كل البلدان المتخلفة ومنها العراق فهي تستخدم آخر ما توصلت اليه الحداثة من سكن ومظاهر شخصية ووسائط نقل واجهزة اتصال ولكن عقولها تضمر يوما بعد آخر وتطفوا على السطح وبقوة كل رواسب الماضي وخرافاته وعفونته بحيث يتمسك بها أكثر مما كان المواطن القديم ملتزما بها. المواطن يصبح في النهاية ببغاءً تردد ما يمليه الآخرون وأداة طيعة بيد المؤسسات وخاصة الدينية منها تقمع عنده كل انواع الفكر الحديث المُنتج من تفاعله مع العلم الذي يعمل على دفع المجتمع بالتمرد على القيم والمعتقدات والأفكار البالية ويحرض المنطق العقلي في التعامل مع الواقع واستنباط القيم الجديدة المنتجة من الوقائع الجديدة. هذا التمرد على الواقع من قبل المحرضين سيواجه بقوة ويُقمع بكل الوسائل ويُذاق كل أصناق العذاب والقتل والتغييب وهذا ما لمسه المواطن من استهداف للطاقات والعلمية والفكرية التي تظهر بين فترة وأخرى ويُحرض على قتلها وفناءها بعد اتهامها بالتحريض ضد الدين والالحاد والكفر. تبقى المجتمعات الشرقية الاسلامية تراوح في مكانها ومنذ قرون. نصوص الدين الاسلامي المقدسة تدعو الى التعامل مع العلم والاستفادة القصوى منه في بناء المجتمعات وهذا ما حصل في بداية الدعوة حيث شكل الاسلام حضارات عظيمة في البلدان التي آمنت به ما زالت آثارها باقية حتى يومنا هذا. ما أبعد الدين في زمننا هذا عن رسالته الانسانية وأوقعه في دائرة الجمود والتخلف هي المؤسسات الدينية والفقهية التي استحوذت عليه وسيطرت على المجتمعات، بدعم من الانظمة السياسية الطائفية، من خلال تسويق الأفكار الضالة مدعية أنها من صلب الدين الحنيف وقسمت الدين الى مذاهب، حسب مصالح مؤسسيها، يحارب أحدها الآخر ويتهمه بالكفر والضلال ويحلل قتله، هذا التناحر أدخل المجتمعات في بحار من الدم والحروب والمشاكل بحيث نسي المواطن فيها أن هناك عالما آخر يبتكر ما يبتكر من علوم ويقفز قفزات نوعية ودخل حضارات عصية على تصور العقول البالية وبقي أبناء الشرق يجترون ما اخترعوه في السابق من أساطير وقصص وحكايات وكأنها نهاية نتاجات العلم وتعامل مع كل ما يحدث لهم من فواجع ومآسي وكوارث بالعواطف والوجدان والمشاعر متناسين أن لديهم عقولا قادرة على أن تنقذهم وترشدهم الى الطريق الصحيح. لقد اختصر ماركس هذه المأساة حين قال ( الخرافة والوهم والجهل تُنتج حين يستخدم الانسان عقله بطريقة لا عقلية). المأساة أن الشعوب تجردت من عقولها، بعد أن قُمعت هذه العقول من قبل الأنظمة السياسية والمؤسسات الدينية، الانظمة السياسية التي سرقت أموال شعوبها كما حصل في العراق حين تسلط عليه ما بعد 2003 شذاذ القوم والعملاء والشاذون فخربوا البلاد وجعلوا المواطن فقيرا معدما ينتظر هباتهم الشحيحة، أما المؤسسات الدينية فكان دورها تغييب وعي الناس وتحريم استخدام العلم لأنه من نتاج الشيطان، حسب رأيهم، من أجل أن يبقوا مسلطين عليهم أبد الدهر. لكن العراقي لن يستكين وسيحطم كل هذه الأصنام لأنه أول كائن تعامل بالعلم حين ظهر الى الوجود قبل الاف السنين ونشره في العالم..  

عرض مقالات: