اخر الاخبار

يقول النحات العالمي هنري مور: “إن الحجم الحقيقي للعمل الفني يختلف عن حجم الشيء إذا قيس بالأقدام والبوصات”.

يتهيأ النحات طه وهيب لإقامة تجربته الجديدة القادمة في فن (الرسم) حصراً. والتي ستضم أكثر من ثلاثين عملاً بألوان الإكريليك وبقياسات كبيرة، عكس أعماله النحتية الصغيرة جداً.. التي تعودت عليها أعيننا!

ونبتديء من حيث مسافة العمق البعيد لتاريخ سيادة عمق وهيبة وشموخ حضارة سومر، وسطح الإستلهام الفكري الإبداعي في تجربة البحث المتواصل لمنحوتات الفنان طه وهيب، التي قدمها على مدى مسيرته الإبداعية، بون شاسع جداً يمتد لآلاف السنين الطويلة قبل الميلاد، ذلك الزمن البعيد الذي غطاه تراب التواتر المكاني والزماني المستمر، لم يثبط من عزيمة ورؤية فناننا، طه وهيب، ليشمر عن ساعديه ليرجع وينقب بأنامله الرقيقة، من دون كلل أو ملل، في عمق تلك الحضارة الإنسانية الشاخصة، التي علمت الناس مباديء الفكر والفن في جميع مناحي الحياة، ليكتسب شرعيته الصحيحة والأصيلة في بواطن أرضه الخصبة من الزوايا الإنسانية قبل أن تختصب زراعة أو تكون مأوى إجتماعياً.

لقد لمسنا من “طه وهيب” الفنان القادم من سومر الحضارة، في زمن العولمة والقرصنة الإلكترونية وحرب النجوم والإتجاه الكبير إلى حداثة الفن وعصرنتة في تنويع وإبتكارات إستخدام خاماتهم وإختلاقهم الرؤى الإبداعية في عمليات النحت والرسم، يرجع “وهيب” إلى إصالة حضارته المجيدة، وهو يجد ضالته المنشودة هناك، ولِمَ لا يعود لذلك ما دام أزلية وجوده وإبداعه تنبض منها وفيها.

عندما سئل الفنان هويستلر عن فنه، قال: بانه مزج ألوانه بعقله، لذا فان حالة الإستلهام من الواقع ليس معناه المحاكاة التقليدية، كالفوتوغراف التوثيقي أو إبراز ملامح أسلوب فني معين، وانما مزاوجة وبلورة حجم الموضوع وهضمه، أبعاده الفكرية والفنية كافة، ومن ثم صهره في الخامة المعدة مسبقاً لذلك.

بينما يستشف الناقد هربرت ريد: ليس من الضروري أن يكون الشكل هو كل ما هو موجود في العمل الفني كما اننا لا نسلك دائماً بهذه الطريقة الشخصية المعزلة.

فالإهرامات مثلاً ليست إلا أشكالاً هندسية بسيطة، إلا انها إكتسبت جلالها العظيم من خلال حجمها الهائل، بعكس النحت في الفن السومري الذي يتميز حجمه بالصغر، حيث لا يتراوح قياسه ما بين 20 – 80 سم، إلا انه اكتسب حظوته لأنه ذو تأثير ديني يوضع في المعابد كنذور، فضلاً عن إستلهامه تصوير بعض المعارك أو مشاهد صيد ومطاردة الإنسان للحيوانات أو صور تمثل صراع الحيوانات الأسطورية، كون الفنان حينذاك يتمتع بذهنية أدبية في ترجمة الواقع بالفن، كما في الإبتكار الشهير الذي يمثل الملك (كلكامش) وهو عاري الجسم ذو رأس بشري وجسم ثور مع صديقه (انكيدو) وهما يتنافسان لحماية الحيوانات!

فطالما هناك رؤى أدبية وفنية واقعية قابلة للأسطورة والخلود تتكفلها قطع نحتية صغيرة أزلية، فقد أستفاد النحات طه وهيب من إستقائه التاريخي المتجسد في الجانب الجمالي ومميزاته المرتبطة بالحضارة السومرية نفسها، لكنها تحمل روحية وهواجس الإنسان المعاصر المعبأة بالإنتكاسات الخارجية المتواصلة، وبإنعدام بارقة الأمل المستحيلة التي يحاول (وهيب) تجسيمها على منحوتاته الصغيرة الحجم التي يستطيع كل منا أن يحملها في جيبه إينما رحل في هذا الكون الكبير والشاسع، لنستعرضها للأخرين كرسالة إنسانية عميقة وبعيدة المدى.. وبصفة إبداع فني سومري/ عراقي خالص وخالد لا ينتهي.. فيها المعنى الكبير والعميق للفن الأصيل، وللإنسانية المطمئنة.