اخر الاخبار

لم تكن شخصية المرحوم الشاعر ابراهيم الخياط ، شخصية عابرة أوتقليدية في تاريخ مؤسسة ثقافية عريقة مثل الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق ، بل كان شخصية ديناميكية متميزة ومؤثرة وفاعلة ، أكدت مقدرتها على إدارة العمل الثقافي في أصعب الظروف.

ولقد كان لي شرف العمل مع شاعرنا الراحل،،لسنوات طويلة، وحتى وفاته المحزنة، وذلك عندما كنت رئيساً لإتحاد الأدباء، وكان الراحل يومها يشغل منصب الأمين العام للاتحاد، والذي يخوله حق قيادة عمل المكتب التنفيذي للاتحاد ، الهيئة المنتخبة من الهيئة العامة للاتحاد ومجلسه المركزي لوضع سياسة الاتحاد وبرامجه وخططه موضع التنفيذ. وكان في عمله هذا حريصاً على تنفيذ قانون الاتحاد ونظامه الداخلي اللذين حددا بوضوح صلاحية الامين العام للاتحاد وسياسته وخططه، بالتعاون المباشر مع رئيس الاتحاد.

وشخصياً وجدت في زميلنا الراحل خير عون لي في تنفيذ برنامج الاتحاد وخططه الثقافية والاجتماعية، يفضل ما يمتلكه من خواص ومزايا شخصية أهّلته لأن يكون إنموذجاً للقائد الثقافي، المدرك لمسؤولياته، والمنفتح دائماً على التغييرات والمتطلبات الجديدة التي تطرحها الحياة الثقافية.

ومع أن القيادة بشكل عام تفتح الطريق امام إغراء المركزية  والنرجسية واحياناً البيروقراطية والانفراد بالسلطة  ، الا أن زميلنا الراحل كان يتسم بمجموعة من السمات الشخصية التي جعلته يقف بمنأى عن هذه المزالق والمطبات ، منها النزعة الانسانية والرقة والشفافية والديمقراطية التي كان يتسم بها ، والتي أهّلته لأن يكون إنموذجاً للقائد الديمقراطي الخلاق . فقد كان المرحوم يستقبل مطاليب الآخرين بابتسامة عريضة ،وهو يطلق عباته الأثيرة “ على راسي” والتي تشير الى إستجابته الآنية والرقيقة لأي مطلب معقول يقدمه الاديب.  وهذا السلوك جعله قريباً من قلوب زملائه في المكتب التتنفيذي والمجلس المركزي والهيئة العامة، الذين يعدّونه صديقاً شخصياً لهم ، قبل ان يكون قائداً ومسؤولاً وادارياً. وقد نمّى هذا المنحى لدي زميلنا الراحل نزعة كاريزمية شفافة وغير بيروقراطية، ويمكن ان نقول أن معظم قيادات إتحاد الادباء هي بهذه الدرجة أو تلك ، تمتلك خاصية كارزمية معينة، لكن الراحل كان على وجه التحديد يمتلك شخصية كاريزمية مؤثرة وديمقراطية واجتماعية وانسانية في الوقت ذاته. ويمكن أن نقول أن كون زميلنا  الراحل شاعراً قد منح هذه القيادة الكاريزمية  عذوبةً وشفافيةً وشعريةً،وأبعدها عن البيروقراطية، ذلك أن الراحل، بوصفه شاعراً، كتب على الدوام قصيدته الشخصية التي تدمج بين ما هو عام وما هو خاص، كما سبق لي وأن بينت في مناسبة سابقة عند إشارتي الى ميزة التماهي بين الشعر الذي يكتبه الراحل والممارسة القيادية الثقافية والسياسية التي ينهض بها. كما ان القارئ يخيل له وهو يقرأ شعر الراحل، وكأنه يقرأ قصيدة واحدة متصلة، تميط اللثام عن حياته وحياة جيله، ومدينته التي عشقها ، وتوّجها جمهورية للبرتقال ، ذلك أنه يقيم علاقة روحية عميقة ، تصل حد العشق بينه وبين هذا المكان، وتحديداً مكانه الاليف ، وبتعبير باشلار ، مكان الطفولة والشباب ، وأعني به مدينة بعقوبة التي عدّها أجمل المدن.  أن عذوبة شعرية ابراهيم الخياط هذه ،التي لازمت مسيرته القيادية ، هي  التي جعلته يتجنب فخاخ الدكتاتورية والبيروقراطية.

ومن الجدير بالذكر ان الراحل كان  يمنح المنتديات الثقافية مثل نادي الشعر ونادي السرد ونادي الترجمة ومنتدى نازك الملائكة، واتحادات المحافظات، وغيرها من المنتديات والمراكز الثقافية التابعة للإتحاد، الحرية الكاملة في رسم سياساتها وبرامجها الثقافية، ولم يكن يتدخل في شؤونها الا بالقدر الذي يمنحها الدعم والرعاية. ومن القرارات المهمة التي نفذت في عهده سياسة منح اتحادات الادباء في المحافظات حرية كاملة في إدارة شؤونها الثقافية ، ومنها إلغاء مصطلح “الفروع” والاستعاضة عنه بمصطلح الاتحادات، كما منحت اتحادات المحافظة صلاحية وضع شعار أو (لوغو) خاص بكل اتحاد، فضلاً عن حق اصدار مجلة أو أية مطبوعات أخرى.  وأعلن الاتحاد حينها أن اتحاد الادباء هو اتحاد طوعي بين اتحادات ادباء المحافظات. وكان المرحوم ابراهيم الخياط يحرص على تجسيد هذه السياسة من خلال زياراته الميدانية للمحافظات المختلفة لحل مشاكلها المالية والادارية والنقابية ، مما كان له الأثر الكبير في نفوس زملائه في إتحادات المحافظات وأعضاء الهيئة العامة.

لقد كان رحيل زميلنا الراحل ابراهيم الخياط مؤلماًً وفاجعاً، ومن المؤسف أن يأتي رحيله هذا، وهو في اوج نشاطه الثقافي، حيث كان متجهاً الى إحدى مدن كردستان للمشاركة بفاعلية ثقافية، عندما تعرضت  السيارة التي كان يستقلها الى حادث سير مؤسف أودى بحياته ، وذلك في يوم الاربعاء المصادف الثامن والعشرين من شهر آب عام ٢٠١٧. وما زلت أتذكر بوجع اتصال الزميل يوسف الزبيدي بي هاتفياً ليقول لي بعبارة صادمة، وهو يبكي  “ ابراهيم مات” التي أنقضّت عليّ  كالصاعقة.

ومن جهة أخرى، كان الزميل ابراهيم الخياط،رحمه الله، واعياً لرسالته الثفافية ، ولسياسة اتحاد الادباء تحديداً، لأنه كان، ولسنوات طويلة ، الناطق الاعلامي الرسمي للاتحاد قبل أن يشغل منصب الامين العام، منتخباً من الهيئة العامة، ومجلسها المركزي.

اذ تحدث مرة عن موقف الاتحاد من الوضع السياسي الراهن الذي أعقب الاحتلال وسقوط النظام الدكتاتوري فقال:

“ نحن في اتحاد الأدباء لا نتعامل مع الاحداث اليومية السياسية ، نحن نتعامل مع العموميات.  مثلاً نحن مع العملية السياسية الديمقراطية  منذ انتهاء النظام الدكتاتوري االبائد، ولكن حين تحدث اصطفافات سياسية، لا نقف مع هذا التيار ضد التيار الآخر. نحن نشعر بأن اتحاد الادباء يمثل مرجعية ثقافية، مثلما توجد مرجعيات دينية، ومرجعيات سياسية مختلفة.”

وكان زميلنا المرحوم قائداً ميدانيا أيضاً ، يتصدر المظاهرات والاعتصامات الوطنية والثقافية والنقابية التي يشارك فيها الاتحاد ،وينجح في تنظيمها وقيادتها.

واشار الراحل مرةً عن إطلاق اتحاد الادباء عام 2017 منشوراته الأدبية وتوجهاته العامة فقال.

“ مع مستهل السنة الجديدة 2017 اطلقنا سلسلة نشر جديدة، يشترط فيها، أولاً ان لا يشترك فيها اعضاء المجلس المركزي ورؤساء الهيئات الاتحادية في المحافظات ، لتكون خالصة لأعضاء الهيئة العامة .

ونحن وإن كنا نحس اليوم بالفجيعة والخسارة لرحيل زميلنا الشاعر ابراهيم الخياط  ، فأن عزاءنا وما يخفف عنا وطأة هذا الفقدان والخسارة، أن جيلاً جديداً من الأدباء القياديين الواعين الذين توالوا على تسلم قيادة الاتحاد بكفاءة، قد كانوا اهلاً  للاضطلاع بهذه المسؤوليات الجسيمة، وهم يستلهمون خطى زميلهم الراحل الشاعر والمناضل والانسان ابراهيم الخياط ، وكانوا ،كما يقال، خير خلف لخير سلف.

لقد كان ابراهيم الخياط، الشاعر، والمناضل، والقيادي الاتحادي، والانسان، شخصيةً متميزة لا يمكن أن تنسى، تركت خلفها إرثاً مشرّفاً في النبل والوعي والامانة والشجاعة، سيظل يتذكره زملاؤه الادباء والمثقفون العراقيون بكثير من الاحترام والتقدير والمحبة.