اخر الاخبار

يتميز الخطاب القصصي في مجموعة (تنورة جينز قصيرة) للقاص مآب عامر الصادرة عن (اتحاد الأدباء- بغداد 2024) بالميل إلى تجسيد وملاحقة اليوميات المشهديّة مع التركيز على هموم المرأة وهي تعيش التناقضات والمفارقات اليوميّة، وتعكس القصص أجواء الصراع السايكولوجي والوجودي الذي تكابده المرأة من خلال سعيها لتحقيق كينونتها الأنثوية والمكابدات الاجتماعية التي تحاصرها وتغتال رغباتها المتوقدة.

ولعلّ أهم الثيمات التي تناولتها القاصّة في هذه المجموعة : بحث المرأة عن ذاتها وسط مجتمع متزاحم ومأزوم، والبحث عن حريتها للوصول إلى فضاءات تتخلص فيها من الضجر والسأم والوحدة، وتتوغل القاصّة في سبر غور عوالم النساء بمختلف المواقف والأزمات والوقفات، وبما يشكّل بانوراما سردية لملاحقة المرأة في أماكن متعدّدة وعنيت القاصّة بوصف الأماكن بشكل تفصيلي وذلك أعطى دلالة على ارتباط الذات الأنثوية بهيمنة الأمكنة التي تعبّر عن تلازم وتماهٍ بين الذات والمكان ولم تصف الأمكنة وتأثيثها ببعدها الجغرافي والهندسي بل كانت جزءاً من هموم وتداعيات الصراع الداخلي والخارجي.

أهم الظواهر الفنيّة في البناء السردي لقصص المجموعة يمكن الاستدلال على ميل الكاتبة لتوظيف (الجملة القصيرة) المتلاحقة والنسق الوصفي التفصيلي مما خلق إيقاعاً سرديّا سريعاً لاسيما ميلها إلى الوصف المشهدي لليوميات الواقعية والاجتماعية، بأسلوب التصوير السينمائي، وتقطيع المشاهد لملاحقة الشخصيّات والأحداث والمفارقات التي تكسر أفق التلقّي، وتهتم القاصّة بالزمن السردي ذي البعد الخارجي والنفسي وهي تتوغل في لحظة التأزم وتتعمّق في تفاصيلها.

ولعلّ تجربة التعمّق باليوميات المشهديّة تمنح القصص بُعدها الجمالي، حين تستبطن التفاصيل الصغيرة في عالم الأنثى، وتُعنى أيضاً بوصف الأشياء والحاجات واللّوازم الجمالية التي ترتبط بالذات الأنثوية، ممّا يؤدي إلى تأثيث فضاء الأنثى التي تعاني اغتراباً داخلياً على الرغم من الطلاء الجمالي الخارجي، ولذلك نلحظ تمركز أغلب النصوص القصصية على تجسيدها لهذا التناقض اليومي والوجودي بين عوالم الأنثى، وبين تناقضات وتداعيات الواقع اليومي، وبدءاً من سيميائية العنوان نلحظ الإحالة إلى الذات الأنثوية عبر سيميائية دلالة الزي الأنثوي والتركيز على فكرة الظهور الجمالي الموحي بالبحث عن الحرية واطلاق الجسد ليس بصيغة التجاوز بل للتعبير عن الخلجات الأنثوية ذات المحمول الجمالي، ولعلّ إشكالية الذات الأنثوية تنطلق من إحساسها الفادح بجمالها الداخلي، وحين لا تجد الفضاء الذي يتناغم مع هذه الهواجس يحدث الإنكسار والنكوص وفقدان الذات.

لم تكن قصص المجموعة تقليدية إذ لم تعبّر عن الهموم التقليدية للأنثى وإشكاليات الواقع النسوي ممّا يضع نوعاً من الموروث المستهلك لأدب المرأة وهمومها التي كثرت الكتابات عنها، وعلى وفق منطق وموضوعات المرأة المستهلكة وشكواها والظلم الحائق بها ورفضها، وطلبها للحرية والمساواة بطريقة مستهلكة طرحت في القصة والرواية بشكلها الرومانسي، وبمعالجات سطحية، لكنّا في هذه المجموعة نكتشف التقاطات لهموم إنسانية ووجودية للمرأة وهي تبحث عن ذاتها ومساحتها وأحلامها وتطلّعاتها بشكل يوحي بأحقّية هذه المطالب، والتعمق في مشهديات يوميّة ما يحدث للمرأة في الباص العام والشوارع والمقاهي والمدارس، وفي البيت وذلك يعكس تداعيات حياة تبدو محمّلة بالوجع والإنكسار.

برعت القاصّة في ملاحقة هذه المشهديّات بكاميرا ذكية تسجيليّة للكشف عن هذه الأنماط والهموم الاستثنائية مبتعداً عن الصور المستهلكة المرتبطة بواقع المرأة، وعلى وفق هذا كان اهتمامها بالمكان بوصفه الفضاء الوجودي والسايكولوجي للذات وفيه تتجلّى تداعيات التداخل والصراع والكشف عن المكنونات، ووفقاً لهذا التميّز نجد أنَّ المجموعة قد ركزّت بشكل قصدي على دلالة المكان، ولم يكن عنصراً من عناصر السرد التقليديّة بل كان يمثّل الحيز الوجودي المرتبط بدواخل الشخصيّات ومكابداتها وتطلّعاتها فكان الاهتمام بتفاصيله وإحالاته ورمزياته سواء أكان مكاناً مغلقاً مثل البيت والغرفة والمدرسة والمقهى أم مكاناً مفتوحاً كالشوارع والأزقة والساحات أو الأماكن العامة والخاصّة.

مجموعة (تنورة جينز قصيرة) تثير كثيراً من الأسئلة، وهي تعيد صياغة صراع المرأة مع الواقع برؤية جديدة جادّة وعميقة وتتوغل تفاصيل المشهديات اليوميّة بتقنيات سردية منتجة .